"الصالونات السياسية".. بين رغائبية رواده وشح المعلومة

ابراهيم البدور السياسي هو الشخص الذي يشارك في توجيه الجمهور من خلال التأثير في صنع القرار، وهو ذلك الشخص المهتم بشؤون الجماعة وطريقة عملها من خلال العمل السياسي الذي يمارسه. ليس شرطاً ان تكون دارساً للعلوم السياسية لكي تصبح سياسياً؛ فممارسة السياسة بمعناها الشمولي تنطبق على كل مهتم وصاحب خبرة مارس من خلال موقعه أو اطلاعه وحتى شغفه السياسي؛ فالصحفي سياسي والوزير سياسي والنائب سياسي وحتى المتابع لشؤون العامة عن كثب سياسي، وعندما يجتمع هؤلاء مع بعض في مكان ما ويتحدثون في امر العامة وسياسة الدولة والحكومة فإن هذا المكان يسمى صالوناً سياسياً. الصالونات السياسية تطورت وأصبحت في وقتٍ ما تشكل الرأي العام وتتحكم في مزاج النخب والذي بدوره يوجه البوصلة باتجاه أمرٍ ما أو لتعيين شخصٍ ما. كذلك أصبح لكل صالون لون سياسي ورمز يدير الجلسات؛ وبذلك أضحت هذه الاماكن بديلًا للأحزاب – بعد توقفها- في ممارسة العمل السياسي وتقديم الاشخاص من خلال مدير الجلسة او المؤثرين فيها. غالبيتنا جلس في صالون أو أكثر، وسمع الافكار التي تطرح، وتابع التحليلات التي يقدمها بعض الحضور، لكن في العادة يكون هناك شخص أو أكثر ينتظر الجميع حديثهم إمّا لمعلومة لديهم أو لإشارات وصلت لهم من مصدر قريب من صاحب القرار، وتكون مصداقية هذه المعلومات عالية ونسب توقع حدوثها مرتفعة، كذلك عنصر الحياد واضح في نقل المعلومة دون ميل أو رغائبية. «لكن» في آخر فترة تغيّرت المعادلة، وتحولت هذه الصالونات من مصدر معلومة وتحليل عميق في واقع الحال إلى أماكن تطغى عليها الرغائبية، وتفوح منها رائحة التوجيه الممنهج، وبعضها تحول إلى مكان انتقاد لأي حدث يحصل في البلد. يرى البعض ان سبب هذا التحول يعود إلى شُح المعلومات التي يمتلكها رواد هذه الصالونات، ويرى البعض الآخر أن رغائبية المؤثرين في هذه الصالونات طغت على لون الصالون؛ فإذا استلم السلطة يساري توجهت أسهم الصالونات اليمينية ضده، وإذا استلم محافظ توجهت أسهم الليبراليين ضده – والعكس دائماً صحيح-، وبذلك تحولت البوصلة من جلسة حوارية مثرية إلى جلسات توجيه فقط. المرحلة السياسية القادمة بدأت تتشكل، وحجر الاساس في هذه المرحلة هي «الاحزاب»، بحيث أصبح الحزب هو الممر الاجباري وهم السلّم الذي يصعد عليه اي طامح سياسي يريد الوصول، وأصبح مقعد البرلمان وكرسي الوزارة يمر من خلال الحزب وليس من خلال الصالون السياسي كما هو الحال الآن. ومع التوسع الحزبي الذي تم اقراره في قوانين الانتخاب والاحزاب واعطاء الاحزاب 65 % من مقاعد البرلمان – وبذلك الاغلبية النيابية المانحة للثقة لأي حكومة- فَقدَ الصالون السياسي بريقه وهدف تشكيله وأضحى الحزب هو الوريث الشرعي لهذه الصالونات. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان