لماذا لا تتغير هذه السياسات؟

ماهر أبو طير
ماهر أبو طير

يفر كثيرون من وظائفهم، نحو التقاعد المبكر، على أمل ان يجدوا وظيفة ثانية في السر، أو أن يرتاحوا من عناء العمل يوميا، لكنهم يكتشفون سريعا ان الدينا خارج الوظيفة، أصعب.

اضافة اعلان


يقول خبير التأمينات الاجتماعية الأستاذ موسى الصبيحي في تصريحات لموقع " عمون" امس أن نسبة التقاعد المبكر ما تزال أعلى نسب المتقاعدين، حيث تصل إلى 49 % من إجمالي العدد، كما أن فاتورة الرواتب التقاعدية ارتفعت من 130 مليون دينار لشهر كانون الأول 2022 إلى حوالي 135.5 مليون دينار لشهر أيار 2023 الحالي، بما يعني ان نصف المبلغ يذهب للمتقاعدين مبكرا، وهذا يؤشر إلى ان الرقم سوف يرتفع اكثر خلال السنين المقبلة.


ما يتوجب قوله ان الحكومات تزيد من الاعباء على الضمان الاجتماعي، فهي تحيل كثيرين من موظفيها الى التقاعد المبكر ايضا، بشكل اجباري، من اجل التخلص من عبء الرواتب ونقلها الى موازنة الضمان الاجتماعي، وهذا الحل يؤذي الموظفين لأنه اجباري اساسا، ولانه يخفض رواتبهم، ولانه ايضا يزاحم على مال الضمان، بسبب نقل فاتورة الرواتب اليه مبكرا.


لم نترك الضمان في حاله، فالحكومات تستدين منه، على شكل سندات، وتقول لك ان الاستدانة من الضمان تعزز ارباحه لان الحكومة تلتزم بدفع الارباح المتفق عليها، وفي تصريح سابق لرئيس صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي عز الدين كناكرية في الثالث والعشرين من شهر كانون الثاني هذا العام قال كناكرية خلال اجتماعات اللجنة المالية النيابية أن 7 مليارات و600 مليون دينار دين للضمان على الحكومة، وان 431 مليون دينار قيمة أرباح للصندوق من دين الحكومة، قاصدا هنا ان الضمان مستفيد من اقراض الحكومة من خلال هذه الارباح.


لكن الازمة التي لا يريد احد الوقوف عندها هي وصول الدين الحكومي الى نسب مرتفعة من موجودات الضمان، وهي موجودات اصبحت في عهدة الخزينة فعليا، اضافة الى ما تبقى من اصول مالية، وعقارات، واستثمارات، وسط المعلومات عن احتمال تجدد الاقتراض من الضمان، خلال الفترات المقبلة، وهذا توجه قامت به اكثر من حكومة سابقا وليس الحكومة الحالية فقط.


إذا عدنا الى تصريحات الاستاذ موسى الصبيحي يضيف.." نسبة المتقاعدين الذين تقل روابتهم عن 500 دينار تصل  إلى 75 % في حين أنّ 50 % من المتقاعدين يتقاضون أجوراً تقل عن 300 دينار من إجمالي أعداد متقاعدي الضمان، فيما يصل عدد متقاعدي الضمان الاجتماعي حتى اليوم 305 آلاف متقاعدٍ بزيادة 9 آلاف منذ نهاية عام 2022".


مناسبة الكلام ان هناك قلقاً شعبياً لاعتبارات كثيرة، اولها استمرار الاحالات على التقاعد المبكر من جانب الحكومات، وثانيها استمرار اقتراض الحكومات من الضمان، وثالثها انخفاض الرواتب التقاعدية للمتقاعدين، والتي ترتبط اساسا بقيمة الاجور التي كانوا يعملون بها خلال وجودهم في وظائفهم، على مدى فترات طويلة في القطاعين العام والخاص.


ربما اكثر التساؤلات يتعلق بركون الضمان الى هذه السياسات المريحة، اي اقراض الحكومة وانتظار الارباح فقط، فيما المبلغ المقدر بمليارات الدنانير غير متوفر فعليا، ولماذا لا يقوم الضمان بإطلاق مشاريع كبرى في الأردن، لتشغيل المواطنين، وتحريك البلد اقتصاديا، وحل مشكلة البطالة، وهذا عنوان اساس مفيد استراتيجيا، اكثر من الاقراض، والاستثمار على مستويات محدودة، تحاول تجنب المغامرة، نحو الاستقرار، على صعيد اموال الضمان. 


كل هذا يقال لأن الضمان مؤسسة مهمة، وأغلب بيوت الأردنيين على صلة بالضمان، بشكل او آخر، بما يعني اننا يتوجب ان ننظر الى كل هذه الارقام بجدية وبنظرة استراتيجية.


هذه مطالعة لها علاقة بالسياسات العامة، فيما الرأي الاقتصادي المتخصص له تفاصيله التي قد يجادل بها على صعيد الارقام والدلالات، لكن المؤكد هنا ان القصة ليست مجرد ارقام، بل على صلة بحقائق اجتماعية، حول اوضاع الناس، وكيف يعيشون، والى اين يسيرون؟!.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا