ما آل إليهم من الخوف

في السياسة لم نورث شبابنا سوى الخوف، الخوف من العسعس والخوف من الأحزاب والخوف من تعسف السلطة، أنا شخصيا عشت هذا الخوف ككل أبناء جيلي، كما أنني لمسته وعاينته عند الشباب في لقاءات معهم على طول وعرض المملكة.اضافة اعلان
خوف الشباب متشابه؛ لأن مصدره عموما متشابه، بعض هذا الخوف أتى من خبرة شخصية للشباب في التعامل مع السلطة ومؤسساتها، ولكن أغلبه متوارث من الوالدين أو من الثقافة العامة التي نشرها خوف السلطة وخشيتها من الأحزاب وممارساتها في هذا الصدد.
الخوف سلوك بشري معروف وبعض منه طبيعي حسب علماء النفس، ويبدو أن الأفراد ليسوا وحدهم من يخافون بل المؤسسات تخاف أيضا!، ويعالج هذا الخوف بالمواجهة، مواجهة الأطراف لمخاوفهم في بيئة آمنة، ولعل أول موجبات مواجهة الخوف هو فهم مصادره تاريخيا وفعليا على الأرض!
منذ الأحكام العرفية عام 1956 نهضت الدولة لتدافع عن الدستور وعن النظام في وجه حركة سياسية سرية وعلنية كانت تسعى لإسقاط النظام، وصنفت النظام باعتباره عدوا للقوى الديمقراطية والتقدمية، وعملت تلك المنظمات والأحزاب سياسيا وفعليا على محاولة إسقاط النظام، ولهذا تصدت الدولة لها بجميع أجهزتها السياسية والأمنية لمقاومة « الأعمال العدوانية» ضدها، وفي هذا السياق عملت الدولة باحتراف على تفتيت الأحزاب ومحاصرة أعمالها وملاحقتها وصار الحزبي قرين الخائن والغريب والآخر الذي يهدد وجود الدولة !
في هذه الأجواء طرحت أحداث معان عام 1989 حاجة ملحة لفتح أفق سياسي جديد قوامه عقد سياسي بملامح جديدة، يُحَضِّرُ لبيئة عمل سياسي وطني إصلاحي يعمل ضمن الدستور وفي إطار الحفاظ على الدستور والنظام ! وقُدِمت في هذا الصدد مبادرات الميثاق الوطني والأجندة الوطنية واللجنة الوطنية، لكن كل تلك التجارب لم تعط النتائج المرجوة وظلت تراوح مساحات خوف متبادل بين الناس والدولة، خاصة أن أغلب قادة وفاعلي العمل السياسي كانوا من قيادات العهد السابق الذي عمل ضد الدستور والنظام ولهذا استمر الخوف بين أطراف المعادلة.
ولا ينكر أن تلك المحاولات جميعا - رغم أن عدم نجاحها خلف إحباطا في بعض المفاصل - رفعت سقف المشاركة الشعبية في الحياة السياسية من حالة الرعب والخوف إلى التوجس ورفعت ذهن مؤسسات الدولة من العداء إلى التحفظ.
في هذا السياق جاءت اللجنة الملكية للتحديث السياسي لتخطو خطوة مهمة في طريق تأكيد الدولة ومؤسساتها على التزامها بمشروع الإصلاح السياسي، ذلك أن المختلف في هذه اللجنة هو وضع المشاركة السياسية الحزبية في قوانين الأحزاب والانتخاب للمرور نحو حكومات برلمانية، وبهذا سقط سؤال التشكيك التاريخي هل هناك إرادة سياسية للتغيير والإصلاح ؟ ولكن هذه اللجنة مع ذلك لم تلغ خوف أطراف المعادلة السياسية.
الدولة ومؤسساتها هي من يجب أن تقود حالة الانتقال من الخوف إلى الشعور بالأمان في العمل السياسي ! وهي من يجب أن تعمل دون تراجع عن خلق بيئة آمنة للشباب للانخراط في العمل الحزبي والعمل السياسي بشكل عام، فأحزاب المستقبل هي حكومات المستقبل التي ستنقل الأردن إلى المئوية الثانية، مئوية الاكتفاء السياسي والاقتصادي والاعتماد على الذات ورسم ملامح دولة قوية عصرية ديمقراطية فاعلة آمنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يتمتع فيها الأفراد بالحريات التي نص عليها الدستور وبهذا فإن حماية الدستور تنتقل من كونها مهمة مؤسسات الدولة الأمنية فقط إلى كونها عصب التفكير السياسي لأي حزب أو مؤسسة سياسية.
أفهم أن حالة الخروج من خوف الدولة ومؤسساتها تحتاج لوقت وتدرج، ولكن شوطها الأساسي هو عدم التراجع وعقد النية الصرفة للانتقال السياسي لأردن المئوية الثانية، وهذا مشروع وطني يقوم على زرع الإيمان بالوطن والدستور عند الشباب بدل الخوف والتوجس، افهمهم جنابك !؟