هل اختفى "المواطن العادي"؟

إبراهيم جابر إبراهيم لا أحد يعرف بالضبط كيف انتهى "الربيع العربي"، ولكننا نتذكر كيف كان هذا "الربيع" سببا في اختفاء "المواطن العادي" من الأحاديث والمقالات ومن خطاب الناس! لم تعد النخبة أو أشباه النخبة تجرؤ على استخدام هذا الوصف؛ الذي كانت تلصقه بازدراء بالمواطنين الذين لم ينتسبوا إلى مدارسها النظرية، ولم يخوضوا في جدالاتها، ولم يوفقوا في دروس الإنشاء! فالمواطن العادي هو الذي أشعل إبّان الربيع هذه "المخاضات العربية"، وثابر على مواصلتها، وكان هو وأصدقاؤه وعائلته يموتون فيها كل يوم بمنتهى الترحيب ودون تمثيل أو ادعاء، وهو الذي كان يصوغ لافتاتها ويحملها على كتفه من أول الطريق الى آخر المظاهرة؛ رغم أن الكثير.. الكثير من هؤلاء "العاديين" لم يسمع ربما في حياته بالسيد "ماركس" ولم يقرأ صفحة للسيد "حسن البنا". لكنه بالمحصلة قد تجاوز حالة التهميش التي كان يجلس فيها القرفصاء لعقود طويلة بانتظار أن ينطلق خلف صافرةٍ ما. هكذا انطلقت الملايين من الناس من معتقلات حبسها فيها المنظّرون لعقود طويلة، ومن زنازين التيارات التي دائماً ما استخدمتها وقوداً لأفكارها وتنظيراتها وانتخاباتها. خرجوا من سجن قاسٍ، كان السجّان فيه ليس الأنظمة فقط، بل الأحزاب والمثقفون والشعراء والصحفيون والأئمة والقبيلة والعائلة وأرباب العمل ومذيعو التلفزيون و..و... نفضوا عن حالهم كل الأفكار التي التصقت بأجسادهم لعقود طويلة.. وقاموا! كأنها كائنات غريبة تجرّب أصواتها لأول مرّة، وتسمع حالها لأول مرّة، لأنها قبل ذلك كانت أرقاماً في خطاب، أو بنداً في نظام داخلي، أو "جماهير عظيمة" في خطبة تشييع "رفيق"! هذه الجماهير العادية غادرت أكوام الورق التي اعتقلت جوّاها، وخرجت إلى فضاء غريب وجديد، لكنه فضاء موحش؛ ولا تعرفُ أحداً فيه. لم يقف معها "المنظّرون" الذين صنعوها سابقاً كبطلة؛ أو للدقة الذين صنعتهم هي من كفاف يومها. النظريات وأصحابها فقدوا "رأسمالهم" الثمين، الذي كتبوا بناء عليه كل رهاناتهم السياسية والأخلاقية والقيمية بل والاقتصادية، وأقصد شريحة "العاديين، الجماهير، الشعب، الأعضاء، .. الخ الخ"! لكن "العاديين" بدورهم فقدوا المترجم الذي كان يكتب لهم أشواقهم ومطالبهم الصغيرة والكبيرة. "العاديون" الآن يقفون أمام الحياة بلا خبرةٍ، وبلا مطالب محددة، ودون أن يعرفوا اللغة التي يمكن استخدامها؛ ومن دون "الدليل السياحي" الذي كان يخوض بهم في غاباتها. خرج هؤلاء من معتقلهم التاريخي ووقفوا فجأة أمام الحياة وجهاً لوجه! والناس لم يطلبوا شيئاً سوى الانعتاق، وقبل انعتاقهم من جلادهم، أرادوا الانعتاق ممّن سرق اسمهم، وكتب النظريات نيابة عنها، واستخدمها كوقود وكمجاميع بشرية. لا أحد من "العاديين" كان يفكر بالتالي، أو يخطط لشيء، فهو ليس مؤهلاً للتخطيط، ولا للقيادة، ولا لوضع لعبة جديدة، لكنه مؤهل فقط للتخلص، ولتحريك السكون،.. وجاهز تماماً، كما في كل مرّة، لأن ينخدع من جديد! وهذا ما يخيف. المقال السابق للكاتب زبائن مملّون!اضافة اعلان