التمويل الأخضر ودوره في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

التمويل الأخضر
التمويل الأخضر

د. مسنات الحياري*  

يجسد التمويل الأخضر مبدأ الائتمان الأخضر الذي يشير إلى سلسلة من الوسائل الإدارية التي تتطلب من البنوك والمؤسسات المالية المعنية بالإقراض ابتكار أدوات تمويل خضراء تعمل على حماية البيئة. ويهدف التمويل الأخضر لاستخدام المنتجات والخدمات المالية كالقروض والتأمين واستثمارات رأس المال والسندات وغيرها من أجل تمويل مشاريع خضراء صديقة للبيئة. حيث تعمل الأسواق المالية على استخدام أصول حيوية جديدة تتمحور حول توليد السلع والخدمات الخضراء لخلق جيل بيئي قادر على إحداث استدامة بتكاليف منخفضة. وتُتَرجَم الاستراتيجيات الخضراء في مجموعة من التدابير والإجراءات التنظيمية لتسهيل التنفيذ وزيادة التمويل وضخ الاستثمارات في الاقتصاد الاخضر والطاقة المتجددة وزيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية والقدرة التنافسية والوصول الى الأسواق.اضافة اعلان
إن الطلب على التمويل الأخضر سيكون متزايدا في المستقبل وسيكون العالم بحاجة لامتلاك إمكانيات تساعد على إنشاء بنية تحتية خضراء. كما أن هناك حاجة ملحة لتعزيز الجوانب القانونية والتعاقدية للتمويل الأخضر من قبل الجهات الرقابية عبر تبني استراتيجية شاملة للتمويل الأخضر وإدارة المخاطر البيئية من خلال بناء قدرات الموظفين وتوفير معايير مرجعية وأدلة متخصصة حول مفهوم التمويل الأخضر وبناء سياسات ائتمانية مناسبة لمواجهة المخاطر للانتقال لنمو مستدام وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 والوفاء باتفاقية باريس المناخية لتحقيق اهداف التنمية المستدامة مع التوجه للتمويل الأخضر الآمن.
وتُعرف «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التمويل الأخضر بأنه تمويل يستهدف «تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتقليل النفايات إلى الحد الأدنى، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.» وعلى مدار العقد الماضي، شهد سوق التمويل الأخضر العالمي نموًا سريعًا، في ظل تطوير أدوات مالية مثل السندات المصنفة باعتبارها خضراء والصكوك غير المصنفة، والقروض الخضراء، وصناديق الاستثمار الخضراء، والتأمين الأخضر، والصكوك الخضراء التي صدرت في الآونة الأخيرة. وعلى الرغم من إصدار أول سندات خضراء في عام 2008، فقد تطور السوق بشكل كبير لحشد التمويل لصالح أهداف التنمية المستدامة من خلال توفير الهياكل المبتكرة والتصنيفات والأطر الحاكمة.
ويتألف القطاع المالي الإسلامي من أربعة قطاعات رئيسية وهي: الصيرفة الإسلامية، والصناديق الإسلامية، والتكافل (التأمين الإسلامي)، وسوق الصكوك. وبينما يمكن للقطاعات الأربعة أن تساهم في تمويل أهداف التنمية المستدامة، فقد اجتذب قطاع الصكوك اهتمامًا كبيرًا في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بتطوير الصكوك الخضراء وصكوك الاستثمار الخضراء والمستدامة والمسؤولة، كما تسهل الصكوك استهداف قاعدة أوسع من المستثمرين العالميين تضم كلا من المستثمرين التقليديين والإسلاميين.
وتُعرّف «هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية» الصكوك بأنها شهادات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصًا غير مقسمة في ملكية أصول ملموسة، أو حقوق انتفاع وخدمات، أو في ملكية أصول مشاريع محددة، أو أنشطة استثمارية من نوع خاص.
ويعد سوق الصكوك من أسرع القطاعات نموًا في القطاع المالي الإسلامي، حيث يبلغ إجمالي الأصول المالية الإسلامية العالمية وإصداراتها الجديدة قرابة
24.2 ٪، بقيمة إجمالية بلغت 93 مليار دولار في عام 2018، وفقًا لمجلس الخدمات المالية الإسلامية. 
وتمثل الصكوك، التي تتسم غالبًا بالكفاءة باعتبارها سندات إسلامية، أداة مبتكرة لتمويل المشاريع الخضراء. وتُسهّل متطلبات دعم الأصول الخاصة بهذه الصكوك ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي، وبالتالي، تُوّسع نطاق القطاعات البيئية التي يمكن تمويلها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن هيكلة الصكوك بطرق مختلفة، باستخدام عقود إسلامية فردية أو مختلطة، مثل عقود الوكالة والشراكات والتأجير. وتسهل هذه المرونة الابتكار المالي في تلبية احتياجات التمويل المحددة.
وقد أصدر البنك الأردني الكويتي أول سند أخضر في الأردن بمبلغ 50 مليون دولار أميركي ليفتح بذلك البوابة لإصدار المزيد من السندات الخضراء في الأردن والتي تهدف إلى إطلاق العنان للتمويلات الخاصة بالتحول الاقتصادي للأردن لاقتصاد أخضر وتنمية سوق رأس المال للتمويل الأخضر وتعزيز تمويل المشاريع المستدامة الصديقة للبيئة والمساهمة في الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وخلق فرص تمويل لمشاريع وأعمال جديدة من شأنها المساهمة في تخفيض نسبة البطالة.
هذا الإصدار لأول سند أخضر في الأردن والذي جاء متوافقاً مع رؤية التحديث الاقتصادي وخطط العمل الوطنية للنمو الأخضر (2021 - 2025) للزراعة والطاقة والسياحة والنقل والنفايات والمياه، حيث وضعَت هذه الخطط لتوسيع طموحات الأردن المناخية والتنمية المستدامة من خلال دمج خطة النمو الأخضر وتغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة في الأطر القطاعية، كما وأن الإصدار متوافق مع مبادئ السندات الخضراء الصادرة عن الجمعية الدولية لأسواق رأس المال (ICMA) والتي تحدد أفضل الممارسات عند إصدار السندات الخضراء وخاصة فيما يتعلق بالإفصاحات والشفافية.
أصدرت شركة «تاداو إنرجي» عام 2017 أول صكوك خضراء في العالم لتمويل مشروعات الطاقة الشمسية في ماليزيا. ومنذ ذلك الحين، شهد السوق تطورًا ملحوظًا مع بلوغ حجم إصدار الصكوك الخضراء 5.38 مليار دولار في نهاية عام 2019، وهو ما يمثل 58 إصدارًا من قبل تسع جهات مختلفة، تقودها شركات في ماليزيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. كما تم دعم تطوير سوق الصكوك الخضراء من خلال تنفيذ أطر تمكينية، مثل إطار عمل صكوك الاستثمار الخضراء والمستدامة والمسؤولة الخاص بلجنة الأوراق المالية الماليزية، وإطار السندات والصكوك الخضراء في إندونيسيا.
وتشير احصائيات عام 2021 إلى أن هناك 27 مصرفا أخضر في جميع أنحاء العالم، استثمرت أكثر من 20 مليار دولار في تقنيات جديدة تتمثل في الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية وغيرها. ومن أجل جذب المستثمرين من القطاع الخاص إلى هذه الاسواق.
*خبيرة اقتصادية