"الصناعات الزراعية" بوادي الأردن.. أولوية لا تحتمل التأجيل

مصنع رب البندورة المهجور منذ سنوات بدير علا بالأغوار-(الغد)
مصنع رب البندورة المهجور منذ سنوات بدير علا بالأغوار-(الغد)
فيما يعد القطاع الزراعي أحد أهم القطاعات الإنتاجية، إلا أن تعاظم التحديات التي تواجهه خاصة خلال العشر سنوات الماضية دفعت به الى حافة الهاوية، إذ تسببت الخسائر المتوالية الناتجة عن المشاكل التسويقية الى عزوف عدد كبير من المزارعين عن زراعة أراضيهم، ما أدى الى تراجع المساحات المزروعة وتراجع الإنتاج.اضافة اعلان
هذا الواقع فرض على المجتمع المحلي بوادي الأردن تحديات كبيرة، تمثلت في ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وظهور الكثير من التحديات الاجتماعية، الأمر الذي يستوجب من الحكومات العمل بشكل جدي على إتخاذ خطوات فاعلة للعودة بالقطاع الى دوره الاقتصادي والتنموي في المنطقة وذلك من خلال حل مشكلة التسويق أو البحث عن بدائل مجدية كالتحول الى الصناعات الغذائية التي تستوعب فائض الإنتاج خلال فترات الذروة.
ويرى الخبير الزراعي ومدير زراعة وادي الأردن الأسبق المهندس عبدالكريم الشهاب أن التحول الى الصناعات الغذائية الزراعية باتت ضرورة ملحة لحل مشكلة الاختناقات التسويقية التي تعتبر أكبر تحديات القطاع في وادي الأردن، موضحا أن الصناعات الغذائية لها علاقة وطيدة بالقطاع الزراعي سواء من ناحية المكاسب أو المنفعة المتبادلة كون المواد الخام المستخدمة في هذه الصناعات معظمها زراعية.
وبين أن أحداث الربيع العربي وإغلاق الحدود مع سورية أوقف جميع الصادرات الزراعية الى دول الجوار وتركيا وروسيا والدول الأوروبية بسبب إغلاق خطوط النقل، الأمر الذي تسبب خلال العشر سنوات الماضية باختلال في ميزان العرض والطلب وألحق بمزراعي الوادي خسائر فادحة، موضحا أن أي من هذه المخاطر لم تكن لتحدث بوجود بدائل لإستيعاب الإنتاج الزراعي.
وتنبع أهمية الصناعات الزراعية الغذائية بحسب الشهاب، من كونها الأنجح والأسرع نموا واتساعا والناتجة عن تغيير النمط الاستهلاكي واحتياجات الإنسان للأغذاية المصنعة في الوجبات السريعة، قائلا "للأسف ما تزال الصناعات الغذائية الأردنية تعتمد على المواد الخام المستوردة وبنسبة تصل الى ما يقارب من 99 % رغم وجود مواد خام محلية وعلى مدار العام".
ويتساءل "هل يعقل أن الأردن الذي يعد من أكبر منتجي البندورة في المنطقة يستورد معظم استهلاكه من رب البندورة من الخارج؟ وهل نحن بحاجة الى استيراد الجزر والبامية والبازيلاء والفاصوليا والفول والجميد والأجبان والعصائر وغيرها من المنتوجات الزراعية ونحن ننتجها وبكميات وافرة ؟".
وينوه الى أن المطلوب خلال المرحلة المقبلة أن تقوم الحكومة والجهات ذات العلاقة باعتماد برامج وقائية للأمن الغذائي تخدم كلا من المنتج والمستهلك من خلال تفعيل السياسات الاقتصادية واعتماد سياسات جديدة في البحث الاقتصادي وتنظيم الإنتاج والتركيز على الزراعات المخصصة للتصنيع الغذائي بما يكفل دعم المزارع والحفاظ على أهم القطاعات الإنتاجية من الإندثار.
ويرى أن التوجه للصناعات الغذائية مسؤولية حكومية بامتياز، إذ على الحكومة إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم الإنتاج الزراعي ودعم وتشجيع المزارعين وأصحاب المصانع والقطاع الخاص وتقديم جميع التسهيلات والحوافز لهم كإعفائهم من الضرائب والرسوم وحل مشاكل العمالة والطاقة والمياه وغيرها من العقبات التي قد تقف حائلا أمام تنفيذ مثل هذه المشاريع.
ويؤكد المزارع بشير النعيمات أن المزارع الأردني لديه القدرة والكفاءة بإنتاج أجود الأصناف من المنتوجات الزراعية الآمنة والسليمة وطوال أيام السنة، قائلا "إلا أنه يقوم على الأغلب بالتوقف عن جني محصوله أو بيعه لمربي الماشية بسبب تدني أسعار بيعه". 
ويضيف أن التوجه الى الصناعات الغذائية مطلب ملح في ظل الأوضاع المتردية التي يعيشها المزارع اليوم وقد كان لنا تجارب سابقة ناجحة في هذا المجال من خلال مصنع رب البندورة الذي جرى خصخصته وبيعه والذي كان يستوعب كامل فائض إنتاج البندورة في وادي الأردن، لافتا الى أن المشكلة تكمن في غياب تشجيع الاستثمار في الصناعات الغذائية التي ستكون بمثابة المنقذ للقطاع الزراعي.
ويشير النعيمات الى أن قطاع الصناعات الغذائية عنصر داعم ومحفز للنهوض بالقطاع الزراعي وأحد الركائز الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي وزيادة الإنتاج المحلي على حساب المستوردات من السلع، موضحا أنه يوجد العديد من المنتجات والأصناف الزراعية التي تنتج في المنطقة والتي تشكل مواد أولية يمكن تصنيعها كالبندورة والبطاطا والبقوليات والتمر والحمضيات.
ويؤكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان الخدام أن التحدي الأكبر الذي يواجه القطاع الزراعي هو مشكلة فائض الإنتاج وعدم وجود أسواق تصديرية، وأي إجراءات لا تؤمن حلولا لهذه المشكلة لن تعود على القطاع الزراعي بأي فائدة.
ويضيف، يجب التركيز على إنشاء وتطوير المشاريع الصناعية والزراعية التي تلبي احتياجات السكان الأساسية بما يحقق الأمن الغذائي للوطن، قائلا "نفتقر الى إستراتيجية واضحة لتنمية صناعية تعتمد على المواد الخام المحلية".
ويشدد على ضرورة إتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ مشاريع التصنيع الغذائي كتقديم الدعم للمستثمرين في مشاريع الصناعات الغذائية وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا المجال وتوفير الضمانات اللازمة لاستقطابها بما يسهم في إنقاذ القطاع الزراعي والنهوض بالمجتمعات المحلية من خلال خلق فرص عمل جديدة.
وزارة الزراعة بدورها تؤكد على لسان ناطقها الرسمي لورانس المجالي أن الصناعات الغذائية محور مهم جدا للأمن الغذائي الأردني، وتعمل الوزارة على هذا المحور منذ مدة من خلال الخطة الوطنية للزراعة المستدامة ومحور التنمية الريفية وتمكين المرأة.
وبين أن الوزارة قامت بطرح عطاء خمسة مشاريع لمصانع غذائية زراعية، منها ثلاثة مصانع في مرحلة الإنجاز في الأغوار الجنوبية في مجالات رب البندورة والمركزات وتجفيف البندورة، لافتا الى أن الوزارة تسعى لأن يكون هناك 5 مصانع بحلول نهاية 2023 من خلال دعمها لكامل كلف تجهيز هذه المصانع بالإضافة الى إعفاءات لمدة 5 سنوات.
ويلفت الى أن الوزارة أقامت العام الماضي أسواق ريفية دائمة في عمان وإربد للصناعات الغذائية بكلفة 10 ملايين دينار لمساعدة الأسر المنتجة على تسويق منتوجاتهم وإيجاد مساحات تسويقية للبيع المباشر للمواطنين، مضيفا أن الوزارة قامت في نفس العام بتوفير قروض بقيمة 10 ملايين دينار بدون فائدة لتشجيع الصناعات الغذائية وعمل دورات تدريب وتأهيل في مجال الصناعات الغذائية بما يسهم في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب والفتيات.
ويضيف المجالي أنه جرى توقيع اتفاقية مع مؤسسة المدن الصناعية بأن تقوم الوزارة بكفالة لمدة 5 سنوات لأي مستثمر ينوي الإستثمار في مجال الصناعات الغذائية خاصة تلك التي تعالج مشكلة فائض الإنتاج، قائلا "لدينا عدد لا بأس به من الطلبات بهذا الخصوص". 
وينوه الى أن الوزارة قامت بإطلاق مسارات متعددة مع المنظمات الدولية لدعم الأسر المنتجة بهذا الاتجاه، مؤكدا أن هذا المحور يحظى باهتمام ودعم حكومي كبير.