إنكار النكبة ما يزال مستمرا بعد 75 عاما

رجال ونساء وأطفال فلسطينيون طردتهم القوات الإسرائيلية من منازلهم عام 1948 - (أرشيفية)
رجال ونساء وأطفال فلسطينيون طردتهم القوات الإسرائيلية من منازلهم عام 1948 - (أرشيفية)


لأول مرة في تاريخها على الإطلاق، قررت الأمم المتحدة أن تحتفي رسميًا بذكرى نكبة العام 1948 عندما طُرد قرابة 750.000 فلسطيني من منازلهم، ودُمرت مئات البلدات والقرى الفلسطينية، أثناء إقامة دولة إسرائيل. ومع ذلك، فإن فعالية النكبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتطورات التي أدت إليها، هي مرآة لكيفية استمرار إنكار هذا التاريخ. وقد صوتت 30 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، ضد قرار الأمم المتحدة للعام 2022 لتبني إحياء الذكرى هذا العام. وكان الدبلوماسيون الإسرائيليون يضغطون على الحكومات لمقاطعة الفعالية المقامة يوم الاثنين في الأمم المتحدة. وستكون الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من بين العديد من الدول التي لن تحضر الفعالية.اضافة اعلان
يشكل التهجير الجماعي والمستمر للفلسطينيين عنصرًا أساسيًا في قصة إسرائيل وتأسيسها. ومع ذلك، ما يزال يتم تجاهل ذلك على نطاق واسع، بما في ذلك من قبل العديد من الحكومات والمسؤولين الغربيين. وكانت تعليقات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الشهر الماضي بمثابة تذكير بمدى انتشار هذا الإلغاء للتاريخ، عندما كررت المقولة القديمة بأن إسرائيل "صنعت حرفيا ازدهارًا في الصحراء"، في رسالة للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لإنشاء إسرائيل.
لاستكشاف التداعيات السياسية المستمرة لإنكار تاريخ وحقيقة تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم، ولإحياء الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، طرحت "مجلة الديمقراطية في المنفى" على مجموعة من الخبراء، بمن فيهم العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين، السؤال الآتي: ما شكل قمع تاريخ النكبة السياسة الغربية تجاه إسرائيل وفلسطين خلال الأعوام الـ75 الماضية؟
*   *   *
تجاهل الماضي والحاضر العنيفين للاستعمار الإسرائيلي
صناع السياسة الإسرائيليون هم بشكل عام، ومن دون مبالغة، إما منكرون للنكبة أو مدافعون عن شرعية النكبة. ومن أجل استرضاء السياسيين الإسرائيليين، تبنى صانعو السياسة الغربيون نهجًا مشابهًا -إما إنكار النكبة وتأثيرها، أو تبرير أو تجاهل التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين من وطنهم. وكانت النتيجة كارثية بالنسبة للفلسطينيين. بسبب قمع تاريخ النكبة، ينظر صانعو السياسة الغربيون إلى حق العودة على أنه "عقبة" أمام "تسوية تفاوضية"، حيث يدفع صناع السياسة الفلسطينيون في كثير من الأحيان إلى قبول مصيرهم في المنفى بدلًا من الضغط من أجل عودتهم. ويفترض صانعو السياسة الغربيون أن إسرائيل تسعى إلى التصرف بحسن نية وأن الاستعمار الإسرائيلي هو انحراف سينتهي عبر المفاوضات -وبالطبع من دون أي ضغط خارجي.
يتطلب هذا الإنكار أن "ينسى" الفلسطينيون النكبة أو يتجاهلوها فعليًا، ويتم التركيز فقط على أفعال إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال إطار أو عدسة حقوق الإنسان -وبالتالي تجاهل الماضي الاستعماري العنيف لإسرائيل وصلته بالحاضر الاستعماري العنيف. يرسم صانعو السياسة خطًا -الخط الأخضر- مع عدم وجود خط، حيث تكون أفعال أحد الجانبين مدانة وأفعال الجانب الآخر لا تستحق الاهتمام. كيف يكون هدم مجتمع بأكمله أكثر من 100 مرة عملاً مشروعًا (قرية العراقيب البدوية "غير المعترف بها" في جنوب النقب) لمجرد أنها تقع داخل إسرائيل ويتم اعتبارها أراضي دولة؟
كانت فلسطين دولة ذات ثقافة وتاريخ ثريين. كانت موطنًا لما يقرب من مليون شخص. ونشأت إسرائيل -بالمعنى الحرفي للكلمة- على أنقاض القرى والبلدات الفلسطينية ومن خلال اقتحام منازل الفلسطينيين والاستيلاء عليها. ودمرت إسرائيل مجتمعات بأكملها وأنهت حياة الكثيرين. لكن الأشباح ما تزال باقية الآن، بعد 75 عامًا. وفي حين يمكن للسياسة الغربية أن تحاول، كما فعلت إسرائيل طوال 75 عامًا، إنكار النكبة أو جعلها مشروعة، فإن قيامها بذلك يعزز فقط الاعتقاد بأن الغرب هو شريك لإسرائيل في هذه الكارثة.
-ديانا بوتو: محامية وكاتبة ومحللة فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية وتقيم في حيفا، وهي مستشارة سابقة لفريق التفاوض في منظمة التحرير الفلسطينية، وزميلة غير مقيمة في منظمة (DAWN).
*   *   *
اعتماد السردية الإسرائيلية الصفرية
من خلال إزالة النكبة من سردية إسرائيل والفلسطينيين، وبالتالي من الوضع الذي يشار إليه باسم "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، تمكن العالم الغربي من التعامل مع الوضع الإسرائيلي الفلسطيني بمستويات التنافر المعرفي نفسها مثل الإسرائيليين أنفسهم. فقد سمح ذلك للغرب بالتعامل مع الإسرائيليين والفلسطينيين بإحساس زائف بالمساواة. وتم القيام بذلك بنجاح لدرجة أنه من الصعب تخيل مدى الاختلاف الذي كان يمكن أن تكون عليه الأعوام الـ75 الماضية لو تعامل العالم مع أحداث العام 1948 على أنها تطهير عرقي، وإلى الأعوام التي تلت ذلك كمشروع استيطاني استعماري لمنع عودة اللاجئين والمشردين داخليًا وذريتهم. بدلًا من ذلك، سمح هذا التنافر للغرب بتبني سردية إسرائيل الصفرية، التي نتج عنها بعد ثلاثة أرباع قرن نوع من السخافة، حيث أمكن اعتبار اللاجئين الذين يسعون للعودة إلى الوطن الذي طُردوا منه بمثابة تهديد ديموغرافي نظري مشابه إلى حد ما لمعاداة السامية.
عند ترجمة هذا الوضع إلى سياسة دولية، يعني ذلك أن الغرب يطالب الفلسطينيين بإثبات نواياهم الخيرة تجاه الإسرائيليين حتى يسمح لهم بالجلوس على الطاولة من دون تحدي نوايا إسرائيل على الإطلاق. ولم يكن ذلك ممكنًا إلا من خلال تبني السردية الإسرائيلية التي تدفن وتقلل من تاريخ موثق جيدًا من التطهير العرقي وعقود من الخطوات الملموسة لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية في العودة وتقرير المصير. ومع ذلك، لا يجب أن يكون التاريخ معادلة صفرية. إن الاعتراف بالنكبة لا يعني في حد ذاته إنكار وجود إسرائيل، أو حتى أن حرب العام 1948 كان فيها جانبان. إن ما يعنيه، أو بالأحرى ما كان يمكن أن يعنيه، هو منح الفلسطينيين الشرعية الأخلاقية نفسها التي يتمتع بها الإسرائيليون. وهذا يعني أن المطالبة بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية لن توحي تلقائيًا بحرمان الإسرائيليين من الحقوق والوجود نفسها.
-مايكل شيفر عمرمان: مدير الأبحاث لشؤون إسرائيل وفلسطين بمنظمة (DAWN).
*   *   *
النظر بعين واحدة
إن قمع تاريخ النكبة، وخاصة علاقتها بخطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، يعني أن السياسة تتشكل دوليًا كما لو أن العالم كان يضع غطاء على إحدى عينيه. لا يمكن للمرء أن يفهم مطلب الفلسطينيين بالعودة، وأهمية الأراضي المصادرة، والنفي والتهجير من دون الاعتراف بأكثر من 750.000 شخص تم نفيهم وتهجيرهم قسرًا خلال حرب "استقلال إسرائيل". ومن دون تاريخ النكبة، والحكومة العسكرية الإسرائيلية التي عملت على منع عودة اللاجئين وحكمت فيما بعد السكان الفلسطينيين الباقين، لا يمكن للمرء أن يفهم الدور المحوري للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، كسكان متبقين، وتجربتهم باعتبارهم أقلية في دولة يهودية، لتشكيل حل للمساواة والعدالة لسكان إسرائيل/ فلسطين.
تؤدي الرؤية بعين واحدة إلى تحليل وصنع سياسات خاطئة، لأنه من دون فهم تاريخ النكبة وردود فعل إسرائيل الإدارية والبيروقراطية والسياسية عليها، لا يمكن للمرء أيضًا فهم سياسات إدارة السكان الإسرائيلية أو نظام المواطنة أو إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. إن الاعتراف بالنكبة ودراستها وفهمها ليس واجبًا أخلاقيًا وسياسيًا فحسب؛ إنه أمر حاسم لكل من يريد وقف آثارها، وخلق مستقبل قابل للحياة ومستدام لنا جميعًا.
-يائيل بيردا: أستاذة مشاركة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في الجامعة العبرية في القدس وزميلة غير مقيمة في مبادرة الشرق الأوسط في كلية هارفارد كينيدي. وهي مؤلفة كتاب "العيش في حالة الطوارئ: نظام التصاريح الإسرائيلي في الضفة الغربية" (مطبعة جامعة ستانفورد، 2017)، و"البيروقراطية الاستعمارية والمواطنة المعاصرة" (مطبعة جامعة كيمبريدج، 2022).
*   *   *
فشل في الاعتراف بالنكبة، أو أخذها بعين الاعتبار
في العام 2007، قال محمود درويش، أحد الأصوات الفلسطينية البارزة، لصحفي، إن الفلسطينيين هم الأمة الوحيدة في العالم التي تشعر بثقة بأن اليوم أفضل مما تخفيه الأيام المقبلة. وهي نظرة قاتمة إلى المستقبل من شاعر كتب الكثير عن الأمل، لكن كلماته تبدو أكثر صدقًا اليوم، بعد ثلاثة أرباع قرن من النكبة. وبالفعل، كان عدم رغبة العالم في وصف ما حدث خلال النكبة بدقة، رغم الأخذ بالاعتبار الكامل لما تمثله -بداية مشروع استيطاني متعمد ومستمر- قد أسهم إلى حد كبير في الإفلات من العقاب الممنوح لإسرائيل، بغض النظر عن أفعالها، فضلًا عن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم باستمرار وتعرضهم للأذى.
إن الاعتراف بأن الفلسطينيين فقدوا شيئًا، وأنهم عانوا، وأنهم قُتلوا وسُجِنوا، وأن قراهم قد دُمرت، وأنهم شُردوا عمدًا ومُنعوا من العودة، وأن كل هذه الأشياء ما تزال تحدث -هو أمر غير مريح للغاية بالنسبة للسردية الزائفة القائلة إن الفلسطينيين لم يكونوا أبدًا شعبًا أصلًا، وإن هذه بالتأكيد لم تكن أرضهم حتى لو كانوا شعبًا. هذه السردية مهمة للحجة اللاحقة، التي عادةً ما تبرر العنف الإسرائيلي المعاصر والمعاملة القمعية للفلسطينيين، سواء كان ذلك بقصف المباني السكنية في غزة أو مداهمة مكاتب المجتمع المدني في الضفة الغربية. إن إنكار النكبة وما كانت تعنيه للفلسطينيين على مدى 75 عامًا قد ساعد القوى الغربية على تبرير إحجامهم عن اتخاذ إجراء فعلي بشأن قضية خلقوها، إلى حد كبير، ويستمرون في تمكينها.
-يارا عاصي: أستاذة مساعدة في كلية إدارة الصحة العالمية والمعلوماتية بجامعة سنترال فلوريدا. وهي باحثة زائرة في مركز (FXB) للصحة وحقوق الإنسان بجامعة هارفارد، وزميلة غير مقيمة في المركز العربي بالعاصمة الأميركية، وزميلة فلسطينية غير مقيمة في مؤسسة السلام في الشرق الأوسط.
*   *   *
العقيدة الأيديولوجية لإنكار النكبة
تم، بشكل كثيف، توثيق أحداث النكبة، والتشريد الجماعي للفلسطينيين الذي رافق قيام دولة إسرائيل في العام 1948، وكتابة تقارير عديدة عنها من قبل الصحفيين والمؤرخين من جميع الأطياف وعلى مدى عقود عديدة. ومع ذلك، بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة، ما يزال من المحظور سياسيًا مناقشتها -كما رأينا بوضوح في حادثتين منفصلتين الأسبوع الماضي. أولًا، كان هناك قرار من إدارة بايدن بتخطي أول إحياء رسمي تقوم به الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإطلاق لذكرى النكبة الفلسطينية. أعقبت ذلك محاولة أكثر جرأة لرئيس مجلس النواب الجمهوري، كيفن مكارثي، لإلغاء فعالية إحياء ذكرى النكبة التي كانت تنوي عقدها عضوة الكونغرس الديمقراطية رشيدة طليب، الفلسطينية الأميركية الوحيدة في مجلس النواب، وتسع منظمات راعية كان من المقرر إقامتها في مركز زوار الكابيتول. وعلى الرغم من نقل الفعالية في نهاية المطاف إلى مكان آخر في الكابيتول هيل، إلا أن رمزية تغييب النقاش حول اللاجئين الفلسطينيين لم تغب عن ذهن أحد.
يظل إنكار النكبة، سواء من خلال الإنكار الصريح لأحداث العام 1948 أو ببساطة بالتقليل من أهميتها، سمة مركزية لسياسات الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يكن هذا هو الحال دائمًا. على عكس اليوم، في وقت إنشاء إسرائيل، لم يكن لدى صانعي السياسة الأميركيين، في كل من الإدارة والكونغرس، أوهام حول الظروف والأوضاع التي فر بسببها الفلسطينيون. وبحسب مبعوث هاري ترومان للسلام في الشرق الأوسط، مارك إيثريدج، فإن إسرائيل تتحمل "مسؤولية خاصة عن أولئك الذين فروا بسبب الإرهاب والقمع والطرد القسري". وحتى ترومان، الذي يعتبره الكثيرون محابيًا لدولة إسرائيل، أقر بأنه "يشعر بالاشمئزاز من الطريقة التي يتعامل بها اليهود مع مشكلة اللاجئين"، ردًا على رفض القادة الإسرائيليين النظر في أي شكل من أشكال عودة اللاجئين.
ليس من الصعب تمييز أسباب ثقافة الإنكار الحالية في واشنطن. إن الاعتراف بالصلة التي لا تنفصم بين إنشاء إسرائيل ونزع الملكية الجماعي للفلسطينيين سيكون بمثابة تحد لكل من السردية الإسرائيلية الرسمية، مع كل الاضطراب السياسي والأيديولوجي المحلي المرتبط بها، والأسس الأخلاقية للعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالي الاستثنائية الإسرائيلية.
هذه الحاجة الملحة لدى السياسيين الأميركيين، لأسباب سياسية وأيديولوجية، للتوافق مع التفضيلات الإسرائيلية والسرديات الرسمية، بغض النظر عن السجل التاريخي أو القانون الدولي أو حتى السياسة الأميركية المعلنة، تساعد أيضًا على تفسير نفور المسؤولين الأميركيين الشديد من الحديث عن (أو مواجهة) الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي امتد على مدى 56 عامًا، وفي النهاية فشل الولايات المتحدة في القيام بدور الوسيط الفعال. إن إنكار أو قمع أي حدث تاريخي -لا سيما حدث تكويني وأساسي مثل النكبة- ليس ببساطة أساسًا سليمًا لصنع السياسات أو صنع السلام. فقط من خلال الاعتراف بالظلم الحقيقي في الماضي ومعالجته يمكن أن يتحقق السلام الحقيقي والمصالحة، حتى لو كان ذلك يعني تحدي العقيدة السياسية والأيديولوجية السائدة.

-خالد الجندي: زميل أول في معهد الشرق الأوسط، حيث يدير أيضًا برنامج فلسطين والشؤون الإسرائيلية الفلسطينية. وهو أيضًا مؤلف كتاب النقطة العمياء: أميركا والفلسطينيون، من بلفور إلى ترامب، الذي نشرته مطبعة معهد بروكينغز.

*فريدريك ديكناتل: المحرر التنفيذي لـ"مجلة الديمقراطية في المنفى"، التي تصدرها منظمة "دون" (DAWN)