التعامل مع المشهد المتغير للتهديدات الداخلية في الولايات المتحدة

زوار يضعون الزهور في موقع لتخليد ضحايا هجمات 11/9 في نيويورك، أميركا - (أرشيفية)
زوار يضعون الزهور في موقع لتخليد ضحايا هجمات 11/9 في نيويورك، أميركا - (أرشيفية)
يناقش مسؤول أميركي رفيع المستوى مشهد التهديد الحالي في الولايات المتحدة، ودور جهود مكافحة الإرهاب في مجال الأمن القومي الأوسع نطاقاً في البلاد، وجهود وزارة الأمن الداخلي الأميركية لمنع التطرف العنيف.اضافة اعلان
*   *   *
في 17 أيار (مايو)، عقد "معهد واشنطن" منتدى سياسيا افتراضيا مع نيكولاس راسموسن، منسق شؤون مكافحة الإرهاب في "وزارة الأمن الداخلي" الأميركية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاته.
يبدو مشهد التهديدات الحالي -سواء على الصعيد العالمي أو هنا في الولايات المتحدة- أكثر تعقيداً وانقساماً وتغيراً من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. خلال العقدين الماضيين، نجحت الولايات المتحدة في شل قدرة المنظمات الإرهابية الأجنبية، على غرار تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، على شن هجمات مدمرة في الخارج. وقد تحقق ذلك بفضل الاستخدام المكثف للموارد والأفراد من أجل استهداف قدرات هذه الجماعات وتعطيلها. لكن شبح التهديدات الإرهابية ما يزال مخيما على الأفق. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمكنت من الحد من قدرة الإرهابيين على تنفيذ العمليات في الخارج، إلا أن عدد الأفراد الذين يعتنقون الأيديولوجيا الجهادية حول العالم لم يتراجع. ولذلك، من الضروري مواصلة بذل جهود حثيثة لمكافحة الإرهاب بهدف وقف نشاط المنظمات الإرهابية الأجنبية العابر للحدود الوطنية. ويتضمن جزء من هذه العملية إعادة المواطنين الأميركيين من معكسرات الاعتقال مثل "مخيم الهول" في سورية إلى بلادهم، لأنه من منطلق إدارة المخاطر تعد إعادتهم أقل خطراً على الأمن القومي الأميركي من إبقاء الأمور كما هي عليه. ومن المهم أيضاً النظر في الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها الدول الراعية للإرهاب، ولا سيما إيران، واستعدادها لشن عمليات في الولايات المتحدة. وتشمل الحالات البارزة في هذا المجال اتهام أحد المسؤولين في "الحرس الثوري الإيراني" بالتخطيط لاغتيال مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون.
ومع ذلك، يبقى الخطر الإرهابي الأكبر المحدق بالولايات المتحدة هو ذلك الذي يأتي من التطرف العنيف المحلي الذي ازداد حجماً وفتكاً وتعقيداً خلال السنوات القليلة الماضية. ويسجل تنوع الأيديولوجيات المتطرفة ارتفاعاً قياسياً، مما يجعل التصدي لهذا التهديد صعباً للغاية. ويستخدم المتطرفون العنف لفرض أجنداتهم وترويج مظالمهم عبر شبكة الإنترنت وخارجها. وعلاوة على ذلك، لا يقتصر تهديد التطرف العنيف المحلي على المدن الرئيسية أو ضواحيها، خلافاً لما حدث خلال فترة ما بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) عندما تركزت الهجمات عموماً في المدن الكبرى. على النقيض من ذلك، تبدو جميع البيئات عرضةً لخطر التطرف، علماً بأن التطرف الإلكتروني يشكل أيضاً وجهاً من أوجه التهديد. وعلى الرغم من أن شركات التكنولوجيا قادرة على التصدي للمحتوى الذي تنشره المنظمات الأجنبية -المصنفة إرهابية- عبر الإنترنت، إلا أنه يصعب عليها التحكم بالمحتوى عندما يكون المتطرفون غير مصنفين. وفي هذا الإطار، تتعاون وزارة الأمن الوطني الأميركي مع وكالات وشركات تكنولوجيا عدة لتطوير الأدوات الأكثر فعالية للتصدي للتطرف عبر الإنترنت.
دور مكافحة الإرهاب في مشهد الأمن القومي الأوسع نطاقا
في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبة في ترتيب أولوياتها على صعيد الأمن القومي وتنخفض فيه ميزانيات الحكومة، لم يعد المسؤولون يملكون سوى موارد وأدوات محدودة وعدد قليل من العناصر لمحاربة التطرف. ونتيجة تراجع الموارد التي يمكن نشرها في الخطوط المتقدمة وتراجع اهتمام الحكومة الأميركية بالموضوع، أصبحت استراتيجية مكافحة الإرهاب تركز بشكل أكبر على إدارة المخاطر والتخفيف من حدتها، الأمر الذي يمارس ضغوطاً هائلة على المجتمع الاستخباراتي لكي يرصد المؤشرات على بروز تهديدات إرهابية وإشارات التنبيه إليها. على الولايات المتحدة التعاون مع الشركاء الدوليين والانخراط في جهود بناء القدرات للاستجابة بفعالية لبيئة التهديدات السائدة حالياً على الرغم من تراجع الموضوع على سلم الأولويات محلياً.
ومع تراجع الاهتمام بمكافحة الإرهاب، يزداد التركيز على أمن الحدود باعتباره خط الدفاع الأخير لمنع دخول أفراد قد يشكلون خطراً أمنياً. وفي هذا الإطار، أعدت وزارة الأمن الوطني الأميركية قائمة مفصلة بالجهات التي يجب مراقبتها وتقوم بتحديثها باستمرار لمنع الإرهابيين من السفر إلى الولايات المتحدة وضمان أمن الحدود، علماً بأن هامش الخطأ في استراتيجية دفاعية مماثلة لمكافحة الإرهاب هي أدنى بكثير.
منع التطرف العنيف
يعد العمل الوقائي والاستباقي من أهم الأدوات التي تستخدمها الوزارة لمنع انتشار الأفكار الراديكالية والتطرف العنيف، ولا سيما عند مواجهة التهديدات المتنامية للتطرف المحلي. ويتمثل دور الوزارة، التي تملك خبرة أكثر من 20 عاماً في محاربة التطرف، في التعاون مع المجتمعات الضعيفة وتوفير الموارد لتطوير عوامل وقائية ومنع التطرف العنيف. ويعكس ذلك نهجاً يستند إلى الحفاظ على السلامة العامة ويسهم في تذليل الحواجز أمام التواصل. ومن المهم أن تتجنب الحكومة إضفاء طابع أمني على هذه المحادثات، إذ سيكون من شأن ذلك أن يخلق دينامية تقوم على مبدأ "نحن أو هم" ويمنع إحراز أي  تقدم. ففي نهاية المطاف، يكمن الهدف في تسخير قدرات وموارد الحكومة الفدرالية لتمكين المجتمعات لكي تتولى بنفسها العمل الوقائي والاستباقي.
في إطار الاستراتيجية الوطنية الأخيرة لمكافحة الإرهاب المحلي، تلعب وزارة الأمن الوطني دوراً أساسياً في الوقاية، والاستثمار في تدابير السلامة والأمن في مرافق المجتمع، وتوفير برامج التدريب والمنح، للسماح للمجتمعات بضمان أمنها بنفسها والحد من التأثيرات المحتملة للهجمات الإرهابية. ويتمثل الجزء الأصعب من جهود الوقاية في قابلية توسيع نطاقها. فالولايات المتحدة شاسعة ومتنوعة، ولذلك ستكون جهود منع الإرهاب مختلفة في كل مدينة. ولتوفير أفضل الموارد والمعلومات للعاملين على الأرض في أرجاء البلاد كافة، أطلقت الوزارة مؤخراً الموقع الإلكتروني Prevention Resource Finder (أداة إيجاد موارد الوقاية)، وهو مستودع شامل عبر الإنترنت للموارد الحكومية الفدرالية لمنع أي أعمال إرهابية وعنف موجه. كما أنها بصدد تطوير تطبيق على الهاتف المحمول يعرض معلومات استخباراتية في وقتها الفعلي صادرة عن الحكومة الفدرالية لوكالات إنفاذ القانون المحلية. وترمي هذه الأداة إلى توفير تدفق مستمر للمعلومات والحفاظ على الروابط مع وكالات إنفاذ القانون المحلية وتحويل المعلومات السرية إلى معلومات استخباراتية مفيدة. وأخيراً، لضمان أن تكون جهود وزارة الأمن الداخلي فعالة ومرتكزة على البيانات، على الحكومة الأميركية الاستثمار في بحوث قائمة على الأدلة واستخدام المقاييس والتقييم. فمحاربة العنف الموجه والإرهاب المحلي مشكلة يواجهها المجتمع ككل وتتطلب بالتالي نهجاً يشمل المجتمع بأسره.

*نيكولاس راسموسن: منسق شؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، وهو مسؤول عن الإشراف على مسائل الاستخبارات والتشغيل والتخطيط والسياسات عبر وكالات الوزارة. أعدت هذا الملخص لورين فون ثادن.