الجزائر تحلم بزراعة بلا مزارعين

1685657513745638500
حقول الشعير في قرية البركات محافظة المسيلة، (2019) - (المصدر)

جمال بلعيد* - (أوريان 21) 23 آذار (مارس) 2023

بينما تتزايد الواردات الجزائرية من المنتجات الغذائية بقوة، تجد البلاد صعوبة في تطوير زراعة محلية لأنها تتجاهل المزارعين ولا تعتمد عليهم.
*   *   *

اضافة اعلان


في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2022، دشن الرئيس عبد المجيد تبون معرض الإنتاج الوطني في الجزائر العاصمة. وتوقف عند جناح ملبنة الصومام مهنئًا مسؤوليها على عملهم، ثم أشار إلى محادثات جارية لإنشاء مزرعة ضخمة في الجنوب تتسع لنحو 12 ألف بقرة.

 

وتوجه إلى ممثل الشركة قائلاً: "اطلبوا 10 آلاف هكتار، لا توجد مشكلة، أؤكد لكم أنكم ستحصلون عليها". وتتجاوز واردات الجزائر من الحليب المجفف سنوياً مليار دولار. ويشكل الحليب مصدر بروتين مهما للأسر ذات الدخل المنخفض. ويرى الرئيس الجزائري أن "للمستهلك الجزائري الحق في الجبن الكممبير والياغورت(1)". وأمام عبء الواردات، فإن هاجس وزارة الفلاحة الوحيد يتمثل في ترقية الإنتاج المحلي.


انهيار إنتاج الحليب

 

المهمة صعبة. فقد تراجعت كميات الحليب التي جمعتها ملبنة الصومام إلى 400 ألف لتر مقابل 700 ألف في العام 2021. وأبلغت الشركة، خلال معرض الإنتاج الوطني للعام الماضي، الوزير الأول بذلك وكشفت عن أمور مدهشة: "لقد قمنا بتوزيع 15 ألف بقرة على المزارعين. ولكن تم بيع نصفها. وتزوج بعض المزارعين بمال البيع، وذهب بعضهم الآخر إلى الحج"، كما أفاد موقع "تي. أس. إيه".(2) 


يعود السبب إلى ارتفاع أسعار الأعلاف. ففي المناطق الجبلية، مثل منطقة القبائل، لا توجد مساحة كافية للعديد من مزارع تربية الأنعام التي تُضطر إلى شراء غذاء لأنعامها. ولذلك أصبحت فكرة إنشاء مزارع ضخمة، مثل تلك الموجودة في قطر أو المملكة العربية السعودية، مغرية للسلطات. ومن هنا جاء اقتراح الرئيس تبون لملبنة الصومام: "إذا كنتم تريدون الانضمام إلى هذا النوع من المشاريع، فهذا ممكن".

 

ثم استدار نحو وزيره للفلاحة قائلاً: "إذا كانوا يريدون أرضًا في أدرار أو المنيعة أو عين صلاح، أعطها لهم على الفور. أن يستفيدوا من ذلك ويطوروا الأرض ويُنتجوا الحليب، أفضل من استيراد مسحوق الحليب".


وكانت الخطة هي نفسها بالنسبة للقمح. تدين مجموعة كوسيدار-Cosider، وهي إحدى الشركات العمومية الديناميكية القليلة، بنجاحها إلى نجاح مديرها العام، لخضر رخروخ، الذي عُين مؤخرًا وزيراً للأشغال العمومية.

 

وقد طلبت منه السلطة إنتاج القمح وكُلّفت شركة البناء العملاقة هذه في 2018 بخنشلة (التي تقع على بعد 500 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة) بإدارة مزرعة ضخمة تبلغ مساحتها 16 ألف هكتار، حيث شرعت في إنجاز 33 عملية حفر وسبعة أحواض بسعة 20 ألف متر مكعب و36 آلة ري محوري بمساحة 40 هكتارا لكل واحدة منها. وتم توظيف نحو 100 شاب عاطل عن العمل.

 

ولكن إلى الشمال من تلك المنطقة، يشتكي مزارع أتى لشراء بذور الحبوب من تعاونية تابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب: "قيل لي، خذها أو اتركها عندما لم أجد النوع الذي أريده...". وهي تعاونيات لم يتم تجديد مجالس إدارتها منذ أكثر من 20 عامًا.


إرساء إدارة مشتركة مع المزارعين

 

مصطفى مربي مواشٍ غاضب، استقر في منطقة السهوب في سعيدة (450 كلم جنوب غرب الجزائر العاصمة). ولم يعد بإمكانه إطعام أغنامه، ويعود السبب إلى منح الدولة امتيازات زراعية للمستثمرين وتوسيع الحرث العشوائي.

 

وقد صرح لتلفزيون النهار في 3 كانون الأول (ديسمبر): "تتقلص أراضي الرعي من عام إلى آخر". وكان يمتلك 600 رأس من الأغنام ولم يعد لديه الآن سوى 400 رأس، وهو يخشى الأسوأ. ويضيف بمرارة: "هل ترى هذا القطيع؟

 

اضطررت لكي أطعمه إلى بيع 120 رأس غنم". وفي العام 2021، طالب المربون بفتح المحميات، وهي أراضي المراعي المتدهورة التي تم "تحريم دخولها" (3) لمدة أربع سنوات من قبل المحافظة السامية لتطوير السهوب.


يرى الأكاديمي عبد القادر خالدي، أن الأنشطة الزراعية في مناطق السهوب تتم بطريقة فوضوية، وأن الصحراء تتقدم في كل مكان. وهو لا يتوقف عن التنديد بالإدارة غير المستدامة للسهوب. ويبدو له أن الإدارة المشتركة هي الطريقة الوحيدة لجعل السكان يشاركون في حماية الصالح الطبيعي المشترك.

 

ويصر على "مبدأ تفريع السلطة، لأنه يضمن لامركزية القرار وهو فعال، إذ يعني تفويض السلطة إلى الهيئات القاعدية في التسلسل الهرمي، الأقرب إلى المستخدمين".


وفقًا لخالدي، يمكن إنشاء تآزر منقذ عبر "اتحاد مجتمعات مربي المواشي والمزارعين، من خلال جمعيات الدفاع عن البيئة، والسلطات البلدية والمحافظة السامية لتطوير السهوب".

 

وهو يشجب الدور الثانوي جدًا الذي يُسند إلى مربي الماشية في التعاونيات، ويقترح تقاسم السلطة بين السلطات العمومية والمجتمعات المحلية. وهكذا حديث نادرًا ما يُسمع.


يرى هذا الأكاديمي أن الإدارة المشتركة هي وحدها التي "تجعل الأفراد والمجتمعات مسؤولين، وتزيد من الميل للتعاون. كما تخفف من النزاعات بين السكان والدولة، وتقلل من السلوكيات المنحرفة". ويقترح خالدي إرساء قواعد جديدة لإدارة مسارات الرعي، عن طريق التشاور.

 

الجزائر تلعب ورقة اللغة الإنجليزية ضد الفرنسية

 

وهي قواعد يمكن أن تتطور مع الخبرة المكتسبة. وبالنسبة لهذا الأستاذ الجامعي المطلع جيدًا على هذا الوسط، "يجب على الفروع المحلية لـ’المحافظة السامية لتطوير السهوب‘، التي توفر الموارد المالية والمادية والمهارات التقنية، إشراك ممثلي العشائر في صنع القرار".

 

ويمكن القيام بهذه التجارب وتعميمها مع تقدم نمط الحوكمة الجديد.. "في نهاية المطاف، يعتمد نموذج إدارة الأراضي المشتركة الجديد على تحسين جودة الحوكمة العامة".


لا وجود لزراعة من دون مشاركة المزارعين. لكن هذا الرسالة يصعب سماعها في الوقت الحالي في الجزائر العاصمة.

*جمال بلعيد: مهندس زراعي فرنسي جزائري متخصص في الزراعة في المناطق شبه القاحلة. ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي.

هوامش:
(1) "أنتم قاطرة"/ Vous êtes une locomotive، موقع TSA. في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2022.

(2) انظر نفس المرجع.
(3) يتمثل "تحريم" قطعة أرض أو جزء منها، في إقامة سياج حولها مصحوب بمنع الدخول إليها خلال فترة معينة.

 

اقرأ المزيد في ترجمات