وضع خطط تتجاوز اتفاق الميزانية بين بغداد و"إقليم كردستان"

مايكل نايتس* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 24 آذار (مارس) 2023

أدت ميزانية العراق المتضخمة للعام 2023 إلى إفساح المجال لحصول الأكراد على نصيب من الثروة الوطنية هذا العام، لكن الاستعداد للفرصة التالية للتوصل إلى حلول دائمة يظل أكثر أهمية.

  • * *
    في 16 آذار (مارس)، تحدث نائب رئيس حكومة "إقليم كردستان العراق"، قوباد طالباني، علناً، عن مشروع قانون الميزانية الاتحادية الجديد للعام 2023 الذي يشمل بنوداً تسمح للأكراد بالحصول على حصة للفرد الواحد من النفقات المقررة. صحيح أن البرلمان لم يصادق بعد على هذا القانون على الرغم من مرور 3 أشهر كاملة من العام الحالي، إلا أن الامتحان الفعلي سيتمثل في تطبيقه، لا سيما إذا ناهز سعر برميل النفط عالمياً مستوى 70 دولاراً، أو أقل، المتوقع في الميزانية. وعلى افتراض نجاح الاتفاق بين الإقليم وبغداد، على صناع السياسة التفكير مسبقاً في التحديات الفنية والسياسية التي تعترض تطبيقه وبالمفاعيل غير المقصودة من الدرجة الثانية والدلالات المحتملة للتفاهمات الأوسع نطاقاً حول الفيدرالية.
    ما الذي تم الاتفاق عليه للتو؟
    ستتيح بنود الميزانية المعنية لمحافظات الإقليم الأربع الحصول على حصة من النفقات الاتحادية. وبخلاف محافظات العراق الخمس عشرة الأخرى -التي يشار إليها رسمياً باسم "المحافظات غير المنتظمة في إقليم"- لدى الإقليم برلمان وحكومة ونظام وزارات خاص به. ولذلك، فإن معظم وظائف حكومته لا تحصل على الخدمات مباشرة من الوزارات التنفيذية ضمن الميزانية. وبدلاً من ذلك، اضطر الإقليم إلى التفاوض في أكثر من مناسبة على حصة للفرد من تكلفة الخدمات التي عادة ما تقدمها الوزارات الاتحادية إلى المحافظات (ما يسمى "الإنفاق غير السيادي"). ومن جهتها، اضطرت بغداد إلى احتساب مختلف الإيرادات التي يحققها الإقليم والتي لا تحققها عادةً محافظة "فردية" -وعلى الأخص العائدات من إنتاج 400.000 برميل من النفط يومياً. وغالباً ما اقتطعت هذه المكاسب من مخصصات "إقليم كردستان" في الميزانية الاتحادية.
    خلال السنوات الماضية، اختلطت الجدالات بشأن هذه المخصصات والاقتطاعات بأسئلة أوسع نطاقاً ارتبطت بمبدأ الاتحادية: هل يتمتع الإقليم بالصلاحية القانونية للتنقيب عن النفط وتسويقه؟ ماذا يجب أن تكون حصة الفرد الواحد من الإنفاق غير السيادي في ظل عدم وجود إحصاء رسمي للسكان؟ ما النسبة التي يجب تخصيصها للنفقات غير السيادية من الميزانية؟ لا تجيب موافقة الحكومة على مشروع الميزانية الحالي عن هذه الأسئلة بشكل قاطع -إنه ببساطة إشارة إلى أنه تم مجدداً وضع ترتيبات مؤقتة من أجل فتح الخزائن الوطنية.
    في الواقع، لدى كل فصيل من فصائل العراق دوافعه الخاصة والقوية لتمرير الميزانية في أقرب وقت ممكن. فبعد عملية تشكيل الحكومة المليئة بالمشاحنات التي استمرت عاماً كاملاً بعد الانتخابات النيابية للعام 2021، بقيت البلاد من دون ميزانية في العام 2022، واقتصرت النفقات على دفع الرواتب والمعاشات التقاعدية. ونتيجة لذلك، تم تجميد الاستثمارات في وقت كانت فيه أسعار النفط مرتفعة، وتراكمت الاحتياطيات الاتحادية لتسجل حالياً مستوى ضخماً يبلغ 115 مليار دولار. وهذا العام تتوق الفصائل كافة للاستفادة من الميزانية الناتجة التي ستكون أكبر من المعتاد، والتي من المتوقع أن تشمل 152 مليار دولار من الإنفاق -أي بنسبة 50 في المائة كاملة من ميزانية 2021. وبالتالي، فإن تخصيص حصة للأكراد سيكون في متناول الجميع هذا العام، ويمكن تلبية احتياجات الإنفاق في "إقليم كردستان" (وإن كان ذلك بالكاد) من دون التركيز على الجهات المستفيدة الأخرى.
    ما الذي تبقى للتفاوض بشأنه؟
    من الناحية التطبيقية، ما يزال يتعين اتخاذ الكثير من القرارات، كما أشار طالباني. ومن أهم المسائل العالقة هي التسويق لكميات النفط التي ينتجها "إقليم كردستان العراق" البالغة 400 ألف برميل في اليوم وطريقة إدارة الإيرادات المحققة. وفي الماضي، وضعت بغداد مخططات مفرطة التعقيد للإقليم كي ترغمه على تسليم كامل صادراته النفطية أو جزء منها إلى السلطات الاتحادية في ميناء جيهان على الساحل التركي، حيث ينتهي مسار خط الأنابيب بين العراق وتركيا. ولكن، يبدو هذه المرة أن بغداد ستكتفي بانتهاج مقاربة أكثر براغماتية. فوفقاً لبنود مشروع الميزانية الحالي، سيسوق الإقليم نفطه ويودع الإيرادات في حساب مصرفي يمكن للمسؤولين الاتحاديين مراقبته. وبعد ذلك، ستقوم بغداد بخصم ذلك المبلغ من مخصصاتها الشهرية للإقليم، مع تحويل أي فائض من الأموال المستحقة للأكراد.
    لكن مفعول هذا الترتيب سيسري لعام واحد فقط -وربما نصف العام فقط من الناحية العملية بالنظر إلى أن وضع اللمسات الأخيرة على الميزانية قد يستغرق بضعة أشهر أخرى. ولا يمكن فرض نظام أكثر استدامة قبل أن يقر العراق قانوناً اتحادياً للنفط والغاز، وربما قانونًا لتقاسم العائدات أيضاً. فمن خلال تسوية قانونية فقط على هذا المستوى قد تكون كافية لإعادة النظر في قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في شباط (فبراير) 2022، القاضي بعدم دستورية صادرات نفط "إقليم كردستان"، وإلا سيبقى قانون النفط والغاز الذي أقرته حكومة الإقليم في العام 2007 والعقود الاستثمارية ذات الصلة غير شرعية.
    كذلك، على بغداد و"حكومة إقليم كردستان" والمحافظات الأخرى المنتجة للنفط الاتفاق على بضعة أمور أخرى إذا كانوا يأملون في تسهيل مزيد من التقدم في هذه القضايا بعد اتفاق ميزانية العام 2023:
    • تقاسم الإيرادات وفق معادلة ثابتة: إلى جانب تحديد حصة الفرد في الإقليم من النفقات غير السيادية، على بغداد أن تحسم الجدل بشأن النفقات السيادية وغير السيادية. وبالتالي، عليها تحديد حجم "قالب الحلوى" الذي سيحصل منه الإقليم على قطعة. وكي لا يثير اتفاق مماثل الاستياء في أوساط قواعد الناخبين غير الأكراد، من الأفضل أن تضم الحكومة محفزات تعويضية إلى مشاريع الوزارة التنفيذية في جنوب العراق الغني بالنفط للعامين 2023 و2024.
    • إدخال تغييرات تدريجية على تسويق النفط: في البداية، على "إقليم كردستان العراق" تسويق نفطه لتسديد ديونه المستحقة إلى التجار التي تصل قيمتها إلى 3.5 مليار دولار، حيث يبدو أن بغداد غير راغبة في تحمل هذه المتأخرات. وبعد تسديد الديون، يمكن التوصل إلى ترتيب لتسويق النفط بشكل مشترك على غرار تطبيق الاقتراح الذي يُطرح مراراً بشأن إنشاء "شركة تسويق النفط العراقية والكردية" (سكومو).
    • استثناء العقود الحالية: من شأن أي تغيير في العقود الدولية -وجميعها تقريباً مدونة في القانون الإنجليزي للتحكيم في المحاكم الأجنبية- أن يؤدي إلى الكثير من الدعاوى القضائية التي من شأنها الإضرار بمستوى صداقة العراق مع المستثمرين. وبالتالي، من الضروري لأي قانون نفط وغاز جديد أن يستثني بنود العقود الحالية الموقعة بموجب "قانون النفط والغاز الكردستاني" للعام 2007.
    • إدخال تغييرات تدريجية على حوكمة القطاع: من الضروري التساهل عند إدارة قطاع الطاقة في "إقليم كردستان". وإذا تم تأسيس "شركة النفط الإقليمية الكردية" المقترحة كشركة مشتركة بين وزارتي النفط الاتحادية والكردية، يجب أن تمنح السلطة المحلية الكاملة للموافقة على الخطط والميزانيات السنوية لتطوير الحقول. وسيتطلب ذلك "مجلساً اتحادياً للنفط والغاز" في المستقبل لإنشاء آلية تعاونية تسمح لبغداد وكردستان بتوزيع زيادات الإنتاج وخفضه (على سبيل المثال، من أجل استيفاء حصص "أوبك").
    • إجراء إصلاحات اقتصادية في الإقليم: على الرغم من الحصة الكبيرة المخصصة لكردستان من الميزانية الوطنية الضخمة، بالكاد سيتمكن الإقليم من إرساء التوازن في ميزانيته الإقليمية لهذا العام. ومن المحتمل أن يكون الوضع أفضل في السنوات المقبلة، لذلك على حكومة الإقليم الاستعداد من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية على غرار تقليص الإعانات، وزيادة أوجه الكفاءة، ونقل موظفي القطاع العام إلى القطاع الخاص.
    الدور الأميركي
    بعد مرور 20 عاماً على الغزو الأميركي للإطاحة بنظام صدام حسين، ما تزال مساعدة العراق للتوصل إلى سلام دائم مع أكبر أقلية عرقية في البلاد أحد أهم الإنجازات التي قد تحققها واشنطن. وكان كاتب هذا المقال قد نشر مقالاً في العام 2022 بعنوان "دور الولايات المتحدة الأساسي في فض النزاع على موارد الطاقة بين بغداد وكردستان"، فند فيه مجالات محددة يمكن فيها للولايات المتحدة تقديم مساعدة فنية قد تساعد على التوصل إلى تسوية ما في قطاع الطاقة، مثل تأسيس "شركة النفط الإقليمية الكردية"، وتوفير الدعم خلال عمليات التدقيق، والالتزام بخفض الإنتاج الذي أقرته منظمة "أوبك"، والتوسط في التحكيم بشأن خط الأنابيب العراقي-التركي.
    وعلى الصعيد السياسي، يعود الفضل للجهات الفاعلة الدولية -بقيادة الولايات المتحدة- في حلحلة المسألة بعد حثها الأحزاب الرئيسية في "إقليم كردستان العراق" على إظهار قدر أكبر من المرونة بشأن القضايا الكردية المحلية ووحدة أكبر في تعاملاتها مع بغداد. ومن الضروري مواصلة هذه المساعي بالحدة ذاتها إلى أن يتم التصديق على قانون النفط والغاز؛ وقد يؤدي التراخي الآن بسرعة إلى تجدد الخلاف بين الأكراد، الذي قد يقضي على احتمال توقيع اتفاق تاريخي.
اضافة اعلان

*مايكل نايتس: "زميل برنشتاين" وزميل في برنامج الزمالة "ليفر" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومقره في بوسطن، وأحد مؤسسي منصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات" التابعة للمعهد. وهو متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج.