"سعادة يتبعها الندم".. إدمان الطعام "متعة" قد تدمر صحة الإنسان

إدمان الطعام
إدمان الطعام

  "سعادة يتبعها ندم شديد"؛ هكذا يتلخص شعور منى محمود (23 عاما) التي عانت من ضغط دراسي كبير أثناء المرحلة الجامعية، والذي جعلها "تدمن" أكل الوجبات السريعة والحلويات وكل ما يحتوي على سعرات حرارية عالية.

اضافة اعلان


لم تكن تدرك منى ان النتائج ستكون وخيمة، حيث بدأت معاناتها مع زيادة واضحة بالوزن، هي تعترف بأنها لجأت لتناول الحلويات والوجبات السريعة بكميات كبيرة ومبالغ فيها كنوع من "التنفيس" عن الضغط الذي عانت منه فترات طويلة.


بداية، كانت تعتقد أن تناول كميات كبيرة من الطعام سيخفف من وطأة الشعور الذي تعاني منه، لكن الآن وبعد مرور عام على تخرجها من الجامعة، زاد شعورها السلبي تجاه نفسها، خصوصا أنها لم تستطع أن تتخلص من تلك "الكيلوات الزائدة"، أو حتى السيطرة على رغبتها بتناول المزيد، رغم معرفتها الأضرار الكبيرة التي ستواجهها إن بقيت على هذا الحال.


"لا أشعر بالسعادة إلا حينما أتناول أطعمة شهية وحلويات بكميات كبيرة"، هكذا يقول حسام (19 عاما)، مبررا زيادة وزنه بشعور الرضا الذي يصله بعد الانتهاء من الوجبة، وبالنسبة له يضاهي أي شعور آخر.


يعرف اختصاصيون هذه الحالة بمصطلح "إدمان الطعام" وهي رغبة الفرد الجامحة في تناول كمية كبيرة من الطعام بشكل مستمر.


ولكن كيف يتحول تناول الطعام إلى سلوك إدماني؟ وما علاقته بالتوتر والسعادة؟ وكيف يمكننا تفاديه وعلاجه؟.


يقول الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو: "إن الإدمان حالة من الإذعان والاستسلام لمادة معينة أو سلوك معين، يؤثر على الفرد من الناحية الصحية والنفسية والاجتماعية. 


والإدمان جانبين، الجانب المادي كإدمان الفرد على المواد المخدرة والطعام والشراب، والجانب الآخر هو الجانب المعنوي المرتبط بالمشاعر والعواطف والسلوكيات".


في الوقت الذي يعرف فيه اختصاصي التغذية، صهيب الزعبي إدمان الطعام بأنه: حالة تدفع الشخص إلى تناول الطعام من دون الشعور بالجوع، أو تناوله بكميات تزيد عن حاجة الجسم. وهو مصطلح حديث جاء على حد تعبيره في مكانه، نظرا لأن تناول الطعام بهذه الطريقة يحفز نواقل عصبية مشابهة للنواقل العصبية التي  يتم تحفيزها عند إدمان المخدرات والتي بدورها ترفع من معدل إفراز هرمون الدوبامين، أحد هرمونات السعادة.


ويبين الزعبي، أن تزامن الاستمرارية والتكرار مع السلوك هو ما يميز إدمان الطعام عن غيره من السلوكيات الغذائية الأخرى. حيث يكون مدمن الطعام تحت سطوة الحاجة إلى رفع هرمون الدوبامين ليشعر بالراحة. بخلاف أصحاب السلوكيات الغذائية الخاطئة الذين يمارسون هذا النمط الغذائي في فترات متباعدة، بدافع التجربة والمتعة.


ويذكر الزعبي أن إدمان الطعام يقتصر في الغالب على أنواع محددة من الأكل والتي تسهم بدورها في رفع هرمون السعادة، مثل الوجبات السريعة المشبعة بالدهون، والسكريات والأطعمة الدسمة.


ويشير إلى جملة من الأعراض السلوكية المرافقة لهذه الحالة، أهمها، عدم القدرة عن التوقف عن الأكل حتى مع الشعور بالشبع، تجنب الأكل أمام الناس وتفضيل الأكل بشكل فردي بمرافقة طقوس معينة.


إلى ذلك، الزيادة السريعة والملحوظة في الوزن، إضافة إلى محاولة ارتجاع الأكل (الإستفراغ المفتعل) الناجم عن الشعور بالذنب، وعدم القدرة عن الإقلاع عن هذه العادات والفشل المتكرر في المحاولة.


وفي ذكر الأسباب، يعود الدكتور الغزو ليوضح أن الإصابة بإدمان الطعام يعتمد بشكل رئيسي على الشعور باللذة. وغالبا ما تكون جذوره ممتدة من الطفولة المبكرة، حيث يقوم الوالدين أحيانا بإجبار أطفالهم على تناول كميات كبيرة من الطعام بدافع الحب، واعتقادا منهما أنهما يساعدان الطفل بتلك الطريقة على أن ينمو ويكون بصحة أفضل، أو يتبعان معه أسلوب الحرمان لحمايته من الضرر.

 

ليصبح الطفل مدمنا على الطعام في مراحل لاحقه من حياته.


ونظرا لارتباط الإدمان بالدماغ بشكل مباشر، يتشكل معتقد لدى الفرد أنه إذا تناول مادة معينة يشعر بشعور مختلف تماما عما لو تناول شيئا آخر، خاصة أن هناك مواد معينة تجعل الفرد يشعر بذلك في الواقع.


إلى ذلك، دور تجمعات الأصدقاء التي يتخللها تناول كميات كبيرة من الطعام سريعة التحضير والحلويات.


اختصاصي التغذية الزعبي، يشير إلى مجموعة من العوامل المساعدة على الإدمان على الطعام أبرزها الشعور بالتوتر أو الاكتئاب، التنمر على المظهر العام تحديدا على الأشخاص ذوي الأوزان الثقيلة، إضافة إلى دور عروض "تحدي الأكل" التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ولا سيما على منصات التواصل الأجتماعي، والتي تعتمد بشكل أساسي على ظهور الشخص وهو يتناول كميات ضخمة من الأكل من باب المنافسة أو الاستعراض، وهذا السلوك غالبا ما يؤدي بصاحبه والمشاهد على حد سواء إلى الإدمان على الطعام.


وينبه الزعبي إلى خطورة الاستمرار في هذه السلوكيات الغذائية لما تحمله من أضرار جسيمة على صحة الجسد، حيث يعد الإدمان على الطعام عامل أساسي في رفع مؤشر كتلة الجسم والتي بدورها تلعب دورا مهما في الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل، الضغط والسكري وأمراض القلب والسرطانات. ويضيف أن الضرر لا يقتصر على الجسد، بل يمكن أن يسبب أضرارا نفسية حادة ناجمة عن الشعور بالذنب وقلة الثقة بالنفس.


في حين يؤكد الغزو، أهمية الدعم النفسي وعدم الإغفال عنه في مرحلة العلاج، وأهمية توفير بديل سلوكي أو ممارسة أخرى للانشغال بها مثل الرياضة. حيث تساهم في تخفيف الأعراض الانسحابية المرافقة لبداية العلاج مثل، التوتر والقلق وتقلب المزاج.


إلى ذلك، ضرورة المنطقية والتدرج في العلاج، فقد يقود الحرمان والامتناع المفاجئ إلى أضرار نفسية أكبر، وفقدان الثقة بالنفس والآخرين.


وينوه إلى أن كل عادة مكتسبة كانت بدايتها سلوك بسيط لم نلقي له بالا، ومن هنا فإن "درهم وقاية خير من قنطار علاج" حيث تبدأ الوقاية من الفرد نفسه من خلال تحديد أنواع الطعام والشراب المرغوبة وتناولها باعتدال، ضمن برنامج يومي أو أسبوعي أو شهري لتنظيم ومراقبة استهلاك هذه الأنواع الغذائية وكميتها.

 

 اقرأ أيضاً:

هل إدمان الطعام حقيقي؟