تصوير الاعتداءات على الأطفال: عطب أخلاقي وجهل قانوني

Untitled-1
Untitled-1

نادين النمري

عمان- أثارت قضية تداول فيديو للاعتداء الجنسي على طفلتين الأسبوع الماضي تساؤلات عدة حول أسباب عزوف المواطنين عن التبليغ عن الجرائم، إذ فضل الشاهد تصوير الجريمة بفيديو وتداولها عن التبليغ للجهات المختصة.اضافة اعلان
وكانت مديرية الأمن العام أعلنت، في تصريح صحفي مؤخرا، عن أنها "ألقت القبض على شخص ظهر في فيديو جرى تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو يعتدي جنسياً على طفلتين بتهمة هتك العرض وفقا لقانون العقوبات، فيما جرى توقيف الشخص الذي قام بتصوير الحادثة وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية".
التصريح الصحفي حذر من تداول أو نشر أو إعادة ذلك الفيديو تحت طائلة المساءلة القانونية ووفقا لقانون الجرائم الإلكترونية.
وتنص المادة 9 من قانون الجرائم الإلكترونية على أنه: "يعاقب كل من أرسل أو نشر عن طريق نظام معلومات أو الشبكة المعلوماتية قصدا كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي يتضمن أعمالا إباحية او تتعلق بالاستغلال الجنسي لمن لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن ثلاثمائة دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار".
وكان الفيديو، والذي صور قبل نحو ستة أشهر، قد انتشر الأسبوع الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا تطبيقي "فيسبوك" و "واتساب"، الأمر الذي دفع إدارة حماية الأسرة عبر قسم الأطفال المستغلين جنسيا في الادارة الى "مخاطبة (فيسبوك) و (واتساب) لشطب هذا الفيديو"، بحسب مدير الإدارة العقيد فخري القطارنة.
القطارنة جدد في مداخلة له خلال ورشة عمل الأربعاء الماضي تحذيره للمواطنين من تداول هذا الفيديو أو أي فيديو آخر يحوي اعتداءات جنسية أو جسدية على الأطفال، مشددا على "ضرورة التبليغ الفوري عن أي حالة اعتداء على طفل بدلا من تصوير ونشر هذه الفيديوهات الأمر الذي يتعارض مع مصلحة الأطفال الضحايا وينتهك خصوصيتهم".
وبحسب ما علمت "الغد" فإن حادثة الاعتداء على الطفلتين (10 و11 عاما) تمت قبل نحو ستة أشهر من قبل شخص بالغ، حيث صادف أن رأى أحد الأفراد الاعتداء من النافذة وقام بتصويره وإرساله لاحقا لمعارفه بدلا من التبليغ إلى الجهات الأمنية.
وفي حين جرى توديع الجاني لمحكمة الجنايات الكبرى بتهمة "هتك العرض"، فإن الشخص الذي صور الجريمة وجهت له تهم "التستر على جريمة، ونشر محتوى إباحي لأطفال" مخالفا بذلك قانوني أصول المحاكمات الجزائية ومنع الجرائم الإلكترونية.
وتنص المادة 62 من قانون أصول المحاكمات الجنائية على انه "كل من شاهد اعتداء على الأمن العام أو على حياة أحد الناس أو على ماله يلزمه أن يعلم بذلك المدعي العام المختص"، أما المادة 9 من قانون منع الجرائم الالكترونية فتنص على "يعاقب كل من أرسل او نشر عن طريق نظام معلومات او الشبكة المعلوماتية قصدا كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي يتضمن أعمالا إباحية او تتعلق بالاستغلال الجنسي لمن لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد على 5 آلاف دينار".
ويرى مختصون انه رغم وجود العديد من البنود التي تجرم الامتناع عن التبليغ أو تصوير الجرائم وتحديدا الاعتداءات الجنسية على الأطفال "لكن هناك جهلا وعدم وعي بهذه البنود القانونية، الى جانب غياب الوازع الاخلاقي لدى البعض الذين يرتأون تصوير حالة كاعتداء جنسي بدلا من التبليغ عن الاعتداء".
ومن هؤلاء يوضح مستشار الطب الشرعي، الخبير لدى منظمات الامم المتحدة في مواجهة العنف الدكتور هاني جهشان أن "تصوير الطفل بالفيديو او الصور الثابتة اثناء الاعتداء الجنسي عليه قد يتم من قبل المعتدي نفسه كجزء من الاعتداء الجنسي ويحتفظ به لمشاهدة الاعتداء لاحقا، أو من قبل شخص مرافق للمعتدي ومراقب للجريمة ويتشارك بمشاهدة المقاطع والصور مع المعتدي لاحقا".
ويضيف، "وقد يكون التصوير كما حدث في حالة الطفلتين الأخيرة من قبل شخص صادف مشاهدة الاعتداء الجنسي، وهي حالات نادرة لكنها موجودة"، لافتا إلى "أن أكثر الحالات شيوعا هي التصوير من قبل المعتدي نفسه وقد زاد عدد هذه الحالات بسبب شيوع استخدام الهواتف الذكية، وسهولة تداولها عبر غرف الدردشة المغلقة او حتى على صفحات التواصل الاجتماعي بالمجموعات أو الصفحات الخاصة او العامة".
ومع أن القانون يجرم التصوير في كلتا الحالتين، إلا أن المخاوف، بحسب جهشان، هي من "احتمال استخدام صورة الأطفال اثناء الاعتداء الجنسي في مجالات جرمية مثل الاتجار بالصور الخلاعية للأطفال او تبادلها بين مرتادي غرف التواصل المغلقة بالإنترنت من قبل المنحرفين جنسيا وخاصة مِمَن يعرفون بعاشقي الأطفال".
ويشدد جهشان على ان "مشاهدة ارتكاب جريمة على طفل جسدية او جنسية إن كان داخل الاسرة او خارجها يوجب التبليغ للجهات الرسمية مباشرة كواجب قانوني، وأخلاقي وشرعي"، لافتا الى ما ورد في قانون أصول المحاكمات الجزائية من أن "كل من شاهد اعتداء على الأمن العام او على حياة أحد الناس او على ماله يلزمه أن يعلم بذلك المدعي العام المختص".
وبين ان نشر صور الاعتداء على الأطفال سواء أكان جسديا ام جنسيا "يشكل انتهاكا لخصوصية الطفل بدون وعي او إدراك منه، وله أثر سلبي مباشر على الطفل وآثار بعيدة المدى قد لا تظهر الا عند وصول مرحلة البلوغ واطلاعه عليها بطريقة او بأخرى، وحينها سيتضح انها شكلت انتهاكا صارخا لخصوصية الطفل التي ضمنتها التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية".
من جانبها تشدد المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز على "أهمية وضع آليات أوضح لحماية المبلغين (الشهود) في القضائية الجنائية وفي المقابل محاسبة أكبر للممتنعين عن التبليغ ومحاسبة اكبر للممتنعين عن التبليغ".
وتضيف، "يخشى البعض التبليغ عن الجرائم كما في حالات الاعتداءات الجسدية أو الجنسية على الأطفال، خشية من عدم توفر الحماية الكافية لهم، أو خوفا من تطورات القضية وتحولاتها كأن يصبح المبلغ متهما بشهادة الزور أو الافتراء نظرا لصعوبة إثبات هذا النوع من الجرائم وتحديدا الاعتداءات الجنسية".
وفيما يتعلق بتصوير وتداول الاعتداءات الجنسية على الأطفال، تقول عبد العزيز، إن "التعامل مع هذا التحدي ليس عبر الحلول القانونية فقط، خصوصا أن هذه الجرائم مغطاة قانونيا لكنها ترتبط بشكل أكبر بالوازع الاخلاقي والقيمي لدى الاشخاص الذين يقومون بالتصوير".