إصلاح القطاع العام والأداء الحكومي المتميز

المحامية ياسرة عاصم غوشة

أكد جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه في كل خطابات العرش، وكتب التكليف السامي للحكومات المتعاقبة، وفي تفصيلات الورقة النقاشية السادسة إلى أهمية التطوير الإداري وخلال لقائه اللجان الدائمة في مجلس النواب دعا إلى مراقبة التزام الوزارات المختصة بالخطط، لافتا إلى أن التحدي الأكبر هو إصلاح الإدارة العامة. وأكد جلالته أنه يريد حكومات تضع برامج وآليات للتنفيذ تعتمد المراجعة المستمرة لمراكمة الإنجاز، ومعالجة الاختلالات، ووقف القصور، ويريد إنجازات على أرض الواقع تعود بالنفع على أردننا الغالي ويلمس أثرها المواطن.اضافة اعلان
باستعراض أفضل الممارسات في مجال إصلاح القطاع العام بدءا من نيوزيلندا، ثم من تبعها من تجارب في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة استراليا، سنغافورة ، كندا ، بريطانيا وفرنسا. كانت أهم عناصر إصلاح القطاع العام هي: حكومة تركز على أدوارها الأساسية، إدارة تستند إلى النتائج، مراقبة وتقييم المخرجات والنتائج، قدر كبير من الاستقلالية والتمكين، ومساءلة المديرين، حوافز مرتبطة بالأداء، ترسيخ ثقافة التعامل مع المواطنين كمستفيدين من الخدمة، الشفافية، وأنظمة وتعليمات مرنة للموارد البشرية.
في ظل التنافسية المتزايدة بين الدول على جذب الاستثمارات واستقطاب المشاريع، ازدادت أهمية الارتقاء بكفاءة وفعالية مؤسسات القطاع العام في القيام بمهامه وتقديم خدماته و توفير بيئة جاذبة للاستثمار.
كما يجب على القطاع العام أن يؤدي دورا أساسيا في توفير البيئة الداعمة للقطاع الخاص من خلال التشريعات والقوانين والأنظمة من جهة، ومدى سهولة الحصول على الخدمات الحكومية من جهة أخرى.
من هنا جاء تأكيد الدول التي عملت على تطوير القطاع العام على أهمية إعادة الثقة بالحكومة وذلك بتوفير الخدمات الأفضل والإعلان عن الإنجاز الملموس باستمرار، ومتابعة تنفيذ الخطط الموضوعة. الحكومة الأفضل هي التي تعمل مؤسساتها بشكل أفضل بأقل تكلفة وتقدم الخدمة الأجود لمتلقيها وتحقق أفضل النتائج. ولابد من تعزيز الثقافة المؤسسية للقطاع العام لترسيخ الإيمان والاجماع على مستوى المؤسسة بدورها ودور كل عامل فيها.
ولتطوير القطاع العام هناك عدة محاور مهمة نوقشت كثيرا اهمها :
هيكلة القطاع العام بهدف رفع كفاءة وفعالية المؤسسات الحكومية لتقديم أجود الخدمات بأقل الكلف. مشروع هيكلة الجهاز الحكومي طرح منذ سنوات عدة، وأخذ نصيبه من النقاش وصدرت عدة قرارات وزارية سابقة بدمج دوائر وتسكين الموظفين وتم النكوص عن بعض هذه القرارات في حكومات لاحقة، إن هذا المحور هو من أكثر المحاور إحتياجا إلى خطط شاملة طويلة الأمد تعتمد دراسة الأثر مع ضرورة الالتزام بدعم القرار وبشكل عابر للحكومات. حيث أن خطط الدمج وترشيق الجهاز الحكومي بحاجة إلى إعادة توزيع الكوادر مع تدريبهم للمواقع الجديدة وذلك إعتمادا على دراسات شاملة ومفصلة للكوادر واحتياجات كل مؤسسة. إن التردد وعدم وضوح الرؤية يتسبب بفقدان الأمان الوظيفي لدى الكوادر وازدواجية أداء المهام وهي من أهم معيقات جودة الأداء.
إعداد الجهاز الإداري بكل درجاته وتطويره باستمرار من خلال معهد الإدارة العامة لرسم مسار الموظف منذ تعينه حتى يصل أعلى درجات الوظيفة العامة. وذلك بعقد برامج تدريبية في كل ما هو جديد وحديث. ووضع برامج تدريبية لموظفي الخدمات وتزويدهم بالمعلومات الكاملة، ممن هم على اتصال بمتلقي الخدمة.
العمل على إعداد القيادات الإدارية في القطاع العام لبناء كادر يتصف بالكفاءة تم اختياره بعداله وشفافية ولدية القدرة ليكون المدير الذي يريد أن يحسن ويتعلم ويعلم.
تطوير الخدمات الحكومية وتبسيط الإجراءات: الحكومة المتميزة هي التي تعمل لتوفير أفضل الخدمات الحكومية التي تحوز على رضى المواطن دافع الضريبة، وذلك بتقديم الخدمات الحكومية بطريقة عادلة لكل متلقي الخدمة أينما وجدوا، وتعيد مراجعة وتسلسل الإجراءات، ومواطن تداخل الاختصاصات لتبسيط الإجراءات، والبدء بمجموعة من الخدمات الأكثر احتياجا من قبل متلقى الخدمة، ووضع مؤشرات ليقس مدى الإنجاز ورضى المواطن.
ولتحقيق التطوير الإداري الحقيقي لابد من الالتزام وهذا يتطلب بشكل كبير التمكين والمساءلة وتفعيل تعليمات إدارة الأداء الوظيفي وتقييمه والمتعلقة بربط الإنجاز بالترقية وتجديد العقود وعلى كل المستويات.
إن عملية التطوير والتحديث الإداري لابد من أن تعطي أكلها لأن الخطوة الأولى هي ترسيخ الثقافة المؤسسية بتحسين الاداء والتميز وترسيخ ثقافة متابعة الأداء وهي سياسة تنتهجها الحكومات المتعاقبة والحكومة الحالية. إن العديد من مؤسساتنا يشهد لها بالتميز والانجاز، ليس بناء على الاراء الشخصية وإنما بناء على التقييم المؤسسي وحسب المعايير العالمية، بما فيها مسوحات رضى متلقى الخدمة أذكر منها على سبيل المثل لا الحصر: إدارة ترخيص السواقين والمركبات، إدارة الاقامة والحدود، دائرة الأحوال المدنية والجوازات ومؤسسة الضمان الاجتماعي. إن هذه المؤسسات هي من نفس نسيج الجهاز الحكومي ومن يعمل فيها هم ذات الموظفين وذات بيئة العمل ونفس المراجعين ولا يوجد ما يمنع من انتقال ثقافة التميز المتوفرة لدى هذة المؤسسات إلى كل المؤسسات في بلدنا الغالي.
يجب أن نتفق على أن مشروع التحديث وتطوير الأداء المؤسسي هو رحلة مستمرة من تحديد الأولويات ووضع الخطط ومعالجتها بالتقييم والقياس وتصحيح المسار، رحلة حياة مؤسسية مستمرة لا تنتهي إلى نقطة وصول.
متابعة الأداء ليس الهدف منه وضع اللوم بل هو وسيلة لحل المعضلات وقياس الإنجاز وهو عماد عملية التطوير. إن وضوح الرؤية الملكية والعزم والإيمان بضرورة تطوير الجهاز الإداري والأداء المؤسسي مرتبطة بالتطوير الاقتصادي والسياسي حيث أن نجاح التطوير لا يمكن أن يكون مجتزأ ولا أن يكون مرحليا، وإنما هو التزام عابر للحكومات المتعاقبة بالرؤية الملكية بضرورة التحديث والتطوير والتميز.