قراءة في البيان الختامي للاجتماع التشاوري لعودة اللاجئين

د. زايد حماد غيث

يحظر مبدأ عدم العودة القسرية المنصوص عليه في القانون الدولي الإنساني وكذلك القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي للاجئين عودة اللاجئين إلى ديارهم بطريقة قسرية غير طوعية حيث إن مبدأ عدم العودة القسرية قد اكتسب صفة أحكام القانون العرفي.اضافة اعلان
عقد في المملكة الاردنية الهاشمية الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية وسورية حيث دعا الاجتماع إلى إيلاء «العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى» واتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فورا، حيث نص البيان على ما يلي:

  • ان العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم هي أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً.
  • تعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح.
  • أن تبدأ الحكومة السورية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين للنظر في توفير مساهمات عربية ودولية فيها، مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك في إطار شمولهم في مراسيم العفو العام.
  • تكثيف العمل مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للدفع نحو تسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، بما في ذلك في المناطق التي يُتوقع عودة اللاجئين إليها، وبما يفضي إلى تحسين البنية التحتية اللازمة لتوفير العيش الكريم للاجئين الذين يختارون العودة طوعياً إلى سورية، وبما يشمل بناء مدارس ومستشفيات ومرافق عامة وتوفير فرص العمل، ويسهم في تثبيت الاستقرار.
  • التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، في تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، وبحيث تضمن الحكومة السورية توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لعودتهم، وبحيث توفر هيئات الأمم المتحدة احتياجاتهم الحياتية، وفق آليات عملها المعتمدة وفي سياق عملية التعافي المبكر التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأن يشمل ذلك في مرحلة لاحقة الدول الأخرى المستضيفة للاجئين السوريين. (انتهى الاقتباس).
    تشير أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى وجود 650 ألف لاجئ سوري بالأردن بينما تشير الأرقام الرسمية من الحكومة الأردنية إلى وجود مليون وثلاثمائة وثمانين ألف لاجئ مما يعني أن نصف اللاجئين من وجهة نظر الحكومة ينقسم إلى قسمين، منهم من دخل الأردن قبل اندلاع الازمة السورية في 18/3/2011 ومنهم من دخل بعد ذلك ولكنهم لم يقوموا بالتسجيل بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لاعتبارات كثيرة حيث إن بعضهم وأقصد القسمين مستثمرون وأصحاب أعمال ولديهم مصالح تجارية.
    ويتساءل الكثير عن سبب هذا الاختلاف في الأرقام ما بين المفوضية والحكومة الأردنية ولذلك لا بد من توضيح أن المجلس الأعلى للسكان في الأردن وبعد عمل احصاء عام لجميع المقيمين داخل الأردن نشر بأنه ( قد بلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين في الأردن نحو 1.38 مليون سوري حتى نهاية عام 2018، كما أعلن المجلس الأعلى للسكان في الأردن نهاية عام 2019 عن استضافة بلاده لنحو 57 جنسية مختلفة من اللاجئين، يشكلون نحو 31 % من إجمالي عدد السكان)
    وهذا يعني أن تواجد الأخوة السوريين في الأردن ينقسم إلى قسمين: الأول طالبو لجوء لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ويبلغ عددهم ما يقارب 650 ألفا، والثاني غير طالبي اللجوء لدى المفوضية ليصل المجموع إلى مليون وثلاثمائة ألف.
    ويقيم اللاجئون السوريون في الأردن في المخيمات وخارج المخيمات مع المجتمع الأردني المضيف ويوجد في الأردن أكثر من مخيم لإيواء اللاجئين السوريين أشهرها مخيم الزعتري ومن ثم مخيم الأزرق وكذلك المخيم الإماراتي بالإضافة إلى بعض المخيمات العشوائية في مناطق مختلفة ولا تتجاوز نسبة اللاجئين السوريين الذين يسكنون المخيمات 10 % من إجمالي اللاجئين حيث يقطن ما يقارب 90 % خارج المخيمات في منازل يجاورون الأردنيين ويتقاسمون معهم لقمة العيش في ظل ظروف اقتصادية صعبة على الجميع.
    وكثر الحديث في الأونة الأخيرة عن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وكان آخرها الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية وسورية، هذه العودة تحت مسماها الطبيعي العودة الطوعية، وبالتأكيد المملكة الأردنية الهاشمية هي واحة خصبة لاستقبال اللاجئين لم تقم يوما» بإعادة لاجئ واحد قصرا»، هذا الأمر تقوم به المملكة الأردنية الهاشمية من منطلق الأخوة والعروبة والدين وليس من دافع المعاهدات والمواثيق الدولية خاصة وأن الأردن لم يوقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 أو الملحق عام 1967.
    ولكن المتتبع للشأن السوري وخاصة ملف اللاجئين والمساعدات التي تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي والمنظمات الدولية وكذلك منظمات المجتمع المدني يجد أن هناك تراجعا كبيرا وحادا في تقديم المساعدات، بل إن الكثير من الجهات الرسمية والمنظمات الدولية أوقفت مساعداتها للاجئين يضاف إلى ذلك التوجه الدولي في تقديم المساعدات للأزمة الاوكرانية، فهل شح المساعدات المقدمة أو ندرتها سيؤدي إلى عودة طوعية شبه إجبارية
    (طوع -اجبارية)، المتتبع للداعمين والمانحين والمتبرعين يجدهم باستمرار يدندنون على مسألة عودة اللاجئين إلى وطنهم عودة طوعية وأن السنوات الاثني عشر التي مضت استنزفت الكثير من موارد الجهات المانحة وكذلك الدول المستضيفة، وأن الأمور في الداخل السوري أصحبت مستقرة لمصلحة الحكومة السورية، وبالتالي ما الذي يمنع اللاجئين من العودة إلى وطنهم؟ خاصة وأنهم يتواجدون في دولة لديها مشاكل اقتصادية وهم بذلك يشكلون عبئا على اقتصادها الوطني بالمقابل يتحدث الطرف الآخر من الأخوة السوريين عن أنه ليست هناك ضمانات أمنية كافية بسلامتهم في حال عودتهم وأن الوضع الاقتصادي والمعيشي سيئ وأن العيش بالكفاف والأمن والأمان في الأردن أفضل من العودة.
    ولكن في ظل هذا الضعف الشديد في المساعدات هل سنشاهد عودة (طوع-اجبارية) للاجئين ومن هم اللاجئون الذين سيعودون عودة طوعية وآمنة إلى ديارهم أو من هي الفئات الأكثر ضعفا من اللاجئين الذين سيعودون دون أي ضغوطات مباشرة أو غير مباشرة عليهم، وهل العودة من أجل أغراض سياسية أم إنسانية؟.
    ولذلك السؤال المباشر من هي الجهات التي لديها الرغبة في العودة عودة طوعية وآمنة مع توفر الضمانات التي صدرت في بيان الاجتماع التشاوري وخاصة بأن بعض هؤلاء فقدوا عائلاتهم ومنازلهم واعمالهم، فمن الفئات الأكثر ضعفاً من اللاجئين؟ أهم من كبار السن العجزة؟ أم أصحاب الهمم، الأيتام، النساء، الأطفال، الرجال؟ أم الذين دخلوا الأردن ولم يقدموا طلب لجوء، أم الذين ليس لديهم أي مشاكل أمنية، أم الذين يقيمون داخل المخيمات، أم الذين ليس لديهم فرص عمل، للإجابة على ذلك تم اختيار مائة عائلة من المسجلة لدينا وقمت بالاتصال بهم في حدود الفئات المذكورة أعلاه، وكانت النتيجة بأن نسبة 94 % لا يرغبون بالعودة وعند السؤال عن الاسباب كانت متنوعة منها الاقتصادية والأمنية والتجنيد وانهدام المنزل وفقدان العائلة وغلاء المعيشة وعدم وجود فرص عمل ونقص الخدمات الأساسية كهرباء ومياه والخوف من القادم والشعور بالأمان بالأردن وكذلك الرغبة في الاستقرار في الاردن.
    المجتمع الدولي الآن أصبح مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بأنه يجب إيجاد حل لمسألة عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم عودة آمنة وطوعية، ينبع ذلك من التكلفة المادية العالية التي تتحملها تلك الدول في دعم اللاجئين في دول الجوار السوري والأعباء الإنسانية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية لوجود اللاجئين خارج ديارهم إضافة إلى ذلك الرغبة في إنهاء النزاع الدائر في سورية منذ ما يقارب 12 عاما، كل تلك المعطيات لا بد في النهاية أن يتحمل أثرها اللاجئون فهم الحلقة الأضعف والأكثر انكسارا في كل النزاعات والحروب والصراعات.