ما الذي يجب أن تعلمه مدارسنا؟

د. محمود أبو فروة الرجبي

يتلقى الطالب في مدارسنا مواد عديدة، ويقضي ساعات طويلة يوميا وهو يأخذ دروسا مختلفة، قد يعتمد أكثر من تسعين بالمائة منها على الحفظ، بمعنى يتلقى الطفل جملا وفقرات حول مواضيع معينة، ويعود إلى البيت ليحفظها، ثم يعود ذات يوم ليقدمها في الامتحان، وينساها بعد دقائق من انتهاء الامتحان، وقد لا تفيده في حياته العملية في أي شيء.اضافة اعلان
يجب أن نعترف أن هناك جهوداً تبذل من أجل تطوير المناهج، وأن هناك نجاحات معينة في بعض الـمجالات، ولكن الأمر يحتاج إلى أكبر من ذلك، يتطلب الأمر منا أن نطالب بإضافة وتعميق ما في المناهج ما يتعلق بالتفكير الناقد لكل الـمواد الدراسية، وأن ينتقل التعليم من التلقين إلى استثارة التفكير، وهذا ليس صعبًا، وشخصيا جربته في أكثر من موقع، خاصة في كتابة القصة، وأعطى أثرا إيجابيا، واستغرابا من البعض لمدى تفاعل الأطفال مع هذه الطريقة رغم أن الصورة النمطية تعطي ما يتعلق بتدريس الأدب واللغة العربية طابعا هادئا مملا في غالب الأحوال.
لا تكتفي مطالباتنا لوزارة التربية والتعليم بترشيق المناهج، والتركيز على الفهم أكثر من الحفظ، وتقليص ما لا يفيد الطفل في حياته الحالية والـمستقبلية في المناهج، بل ونطالب بإدخال مهارات الحياة الـمختلفة إليها، ومنها على سبيل المثال فن الحوار، ليتمكن الطالب أن يدافع عن رأيه، ونفسه، وألا يلجأ ليده عندما يتعرض إلى ظلم، بل يتمكن من قول ما يريد بلسانه، أو قلمه، أو من خلال شاشة هاتفه، إضافة إلى مهارات أخرى في مجالات معينة.
نسمع عن قصص عديدة حصلت فيها مآس عديدة بسبب عدم امتلاك مهارات بسيطة عند الناس، وغالبية هؤلاء خريجين من مدارس، ونستذكر في هذا المقام أكثر من قصة لأشخاص أغمي عليهم، فحصلت معهم بلع لسان، ولم يجدوا من ينقذهم رغم أن طريقة الإنقاذ سهلة جدا، ولا تتعدى حركتين أو ثلاثة يمكن لأي إنسان أن يقوم بها، ومنهم الـمرحوم قصي الخوالدة لاعب النادي الفيصلي تحت سن العشرين، وهناك في مصر على سبيل المثال مات أربعة من اللاعبين في الحادثة نفسها، فالسؤال هنا: لماذا لا يتم تعليم الأطفال في الـمدارس كيفية القيام بالانقاذ، وبعض الإسعافات الأولية البسيطة التي يحتاجها أي إنسان؟ وقتها قد يتم إنقاذ عشرات الأشخاص في حوادث مختلفة؟
وفي حالة الزلازل والكوارث يموت آلاف الناس وجزء منهم يفقد حياته، أو أطرافه، لأنه لم يجد حوله أناسا يتصرفون بطريقة صحيحة، والأمر يتكرر في الحروب، والكوارث الأخرى، فلماذا لا يتدرب طلبة الـمدارس على كيفية التعامل مع الكوارث، وكيف يساعدون على الأقل عائلاتهم، أو جيرانهم، بما يتناسب مع مراحلهم العمرية الـمختلفة، وتبقى هذه المهارات معهم بقية عمرهم.
وأمر آخر لا بد للمدارس الحديثة أن تفعله من أجل طلبتها، وهو التدرب على مهارات يدوية معينة، عمل مهارات يدوية معينة، وإضافتها للتعليم بأسلوب التدريب، وليس الحفظ، ويحق لنا أن نخاف من تحويل أي مهارة يدوية يجب أن يتعلمها الطالب مستقبلا في الـمدارس، لتصبح مادة يتم حفظها على شكل نقاط.
لن نزاود على وزارة التربية في موضوع الـمدارس ومناهجها، وندرك حجم الجهود المبذولة من طرفها في تطوير التعليم، ونعرف ما الذي يقوم به كادرها، والعاملون في الـمدارس الخاصة والعسكرية ومدارس وكالة غوث اللاجئين، لكن يحق لنا في ظل التطورات الهائلة لدى البشرية، ووجود أخطاء في بلدنا الأردن، ووطننا العربي الكبير أن نقترح بعض الإضافات للتعليم لتجعله أكثر قدرة على إنتاج مخرجات تتوافق مع الحياة العامة، وتجعل من الناس – وكلهم يمرون في مراحل من حياتهم في الـمدارس- أكثر قدرة على التعامل مع واقعهم، واكتساب مهارات تصنع من حياتهم أفضل. فهل من مستجيب؟