شغف اقتناء الـموت في الأردن

د. محمود أبو فروة الرجبي

العرب في غالبيتهم يحبون السلاح، ويرتبط لديهم تاريخياً بمعاني الرجولة، والتعبير عن القوة، والنفوذ، والسيطرة، وللدفاع عن النفس والعائلة، والقبيلة، ولكن.. مع نشوء الدول، والحكومات، وبعد أن أصبح لكل دولة جيش، وجهاز أمني، ومؤسسات، بات وجود السلاح نوعا من الرمزية أكثر منه حاجة حقيقية على أرض الواقع، ومع ذلك بقي السلاح موجودًا في مناطق معينة، وفي بعض الأحيان أصبح يشكل خطرًا على الآخرين، نتيجة استعماله من البعض في أعمال ضد الـمجتمع.اضافة اعلان
الأردن جزء من الوطن العربي الكبير، وأحيانًا تحصل أحداث تجعل إعادة النظر بما هو موجود حاجة ملحة، وفي الفترات الأخيرة شهدنا بعض المظاهر الخطيرة الجديدة أو المتجددة مثل إطلاق النار في الأفراح الذي أودى تاريخياً بحياة بعض الأبرياء، وحول أفراحًا كثيرة إلى أتراح، وفي بعض الأحيان تحصل حوادث قتل عائلية حيث نرى عمليات قتل باستخدام سلاح أحد أفراد العائلة المتاح، ناهيك عن بعض مظاهر البلطجة، أو الخروج على القانون التي تحدث ما بين الفترة والأخرى في أماكن مختلفة، وصولا إلى بعض حوادث إطلاق النار على رجال الأمن، وغيرها من المظاهر المقلقة.
تعودنا في الأردن على استقرار الحالة الأمنية، والدليل أنه في حالة حصول حوادث فردية هنا أو هناك تضج المملكة كاملة بما يحصل، لأن مثل هذه الحوادث نادرة، وخارجة عن المألوف.
في علم النفس هناك حالات معينة تجعل بعض الناس يلجأون إلى القتل بشكل غير مبرر – لا يمكن تبرير القتل في أي حالة أصلاً-، ونجد من خلال متابعات الأخبار ما يحصل في الولايات المتحدة الأميركية، حيث نرى أحيانًا وجود عمليات قتل جماعية كبيرة في الـمدارس، والجامعات، أو في الأسواق الكبيرة، وعند إلقاء القبض على الجاني، أو قتله يتبين أن عنده حالة نفسية جعلته يشهر سلاحًا ويقتل أناسًا لا يعرفهم، وفي العادة فإن هناك نسبة معينة من الناس لديهم حالة نفسية تجعلهم يلجأون إلى القتل وهذا اعتيادي، ولكن توفر السلاح القاتل المتاح بأي وقت هو الذي يجعل الأمر غير عادي. 
هذه الحوادث الخطيرة قد لا تحصل بهذا الشكل، وهذه الضخامة لا في الأردن، ولا في وطننا العربي الكبير، ومع ذلك فهي تعطي صورة ومؤشرًا آنيًا ومستقبليًا عن خطورة انتشار السلاح بين عدد كبير من الناس، وجزء منهم – وهذا أمر بديهي- قد يعانون من عدم السيطرة على النفس، أو مصابون بحالات نفسية معينة، أو قد يوضعون في مواقف تدفعهم للانتقام، أو التصرف بطيش مما يؤدي إلى قتل أبرياء، وخلخلة السلم المجتمعي.
البعض يغضبون من فكرة حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية، وتقليل ترخيص السلاح إلى حدوده الدنيا، ويصل تفسير بعضهم إلى إجراء مثل هذا إلى أن هناك مؤامرة كونية علينا، والتغاضي عن بعض الأحداث التي تعطي مؤشرات تجعلنا ندق جرس الخطر، ومع ذلك لا بد أن نفكر مليا في ضرورة تحصين الـمجتمع من أي خطر موجود، أو محتمل قد يؤثر على الاستقرار المجتمعي، أو قد يعرض الأبرياء للخطورة.
من يشجع فكرة اقتناء السلاح في الـمجتمع، سيندم مع أول حادث يتسبب به هذا السلاح، فكم شاب مثل الوردة فقدنا في الأردن بسبب الطيش في استخدام سلاح متاح – لا داعي له- وكم من شخص فقدناه وهو ينظف سلاحه الذي لا يحتاجه أصلاً، وكم وكم، والسعيد كما قالت العرب من اتعظ بغيره، لا من أخذ العبرة والدروس من حادث مؤلم أصابه أو عائلته.
نشهد في بلادنا حالات انتحار باستخدام الأسلحة النارية، ولن نكرر ما يحصل في بعض الأفراح، أو ما شهدناه من عمليات إطلاق نار داخل بعض العائلات أدى إلى مقتل البعض، أو حوادث فردية أدت إلى الاعتداء على أجهزة الدولة الـمختلفة، وما دمنا نعيش في القرن الحادي والعشرين، فلا بد من تعديل على ثقافتنا يقلل من خطورة الشغف باقتناء السلاح.
في حالة حصول أي خطر خارجي على بلدنا فإن الدولة لديها من القوة، والإمكانيات لتسليح المواطنين القادرين على الدفاع عن البلد، ضمن برامج مضبوطة، ومتحكم بها، وبطريقة لا تحدث انفلاتا أمنياً لا سمح الله، وسيكون الأمر وقتها مرتبطًا بالاحتياجات الحقيقية للدولة، وبعيدًا عن أي خطر داخلي – لا سمح الله-.
من الـمهم في تربيتنا لأطفالنا أن نغير من مفهوم القوة لننتقل من حب حمل السلاح، والافتخار بإطلاق النار في الأفراح، أو التلويح بالسلاح لتخويف الناس، وغيرها إلى مفهوم الإنجاز العلمي، والحضاري، والتفوق في الـمجالات التي تؤدي إلى تحسين الحياة، وبغير ذلك، نبقى نسير في رحلة قائمة على الظواهر الصوتية، والافتخار بما لا يفتخر به، وباستنساخ السلبيات التي كان يقوم بها آباؤنا وأجدادنا دون أن نعطي لأنفسنا فرصة للتطور والتقدم الحقيقي في الميدان الحضاري الإنساني.
نتفهم حب البعض للسلاح، وتخوفات آخرين من تصاريف الزمان، ولكننا نثق أيضا أن لدينا دولة ومؤسسات قادرة على حمايتنا، وفي حالة الحاجة لأي سند من المواطن في الحالات الطارئة فإن ديناميكية الدولة والـمجتمع قادرة على التصرف بحكمة، وضمن برامج مدروسة للوصول إلى الأمان.
حمانا الله جميعًا، وأبعد عنا الظواهر الخطيرة، وحوادث إطلاق النار العشوائية، والقتل غير الـمبرر، ولعل اليوم الذي نصل به إلى شغف البحث العلمي، والابتكار والاختراع، والإنجاز الحضاري بدلًا من الافتخار بالقوة الوهمية التي تؤخر أكثر مما تقدم يكون قريبًا.