نتنياهو يرضخ للشارع ويجمد "إصلاح القضاء".. وتحذيرات من نواياه

نتنياهو
نتنياهو
رضخ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "جزئيا" لمطالب مئات آلاف المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع على مدى ما يقرب من 3 شهور، احتجاجا على خطة "إصلاح القضاء" المثيرة للجدل، وقرر تجميدها والبدء في جلسات حوار مع المعارضة، متجنبا بذلك استمرار الغليان الشعبي وشلل مؤسسات الدولة. ومساء الاثنين، قال نتنياهو في خطاب متلفز: "قررت تعليق تصويت الكنيست على تشريعات إصلاح القضاء، للتوصل إلى اتفاق واسع من منطلق المسؤولية الوطنية والرغبة في منع انقسام الأمة". تصريحات نتنياهو جاءت على خلفية تظاهرات عمت البلاد، بما في ذلك أمام مكتبه ومقر إقامته بالقدس الغربية وفي تل أبيب، واتساع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بين جنود وضباط الاحتياط، طالت أيضا الجنود النظامين. وطالب نتنياهو في خطابه "رؤساء الأجهزة الأمنية وقادة الجيش بمقاومة ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بحزم"، مشددا على أن "رفض الخدمة العسكرية هو نهاية إسرائيل". ويقول مراقبون إن نتنياهو اتخذ قراره مضطرا أيضا في ظل إعلان نقابة العمال (الهستدروت) عن وقف فوري لإقلاع الطائرات من مطار بن غوريون، والتلويح بإطلاق إضراب عام، ما يعني إغلاق المصانع والمراكز التجارية، إذا لم يتراجع رئيس الوزراء عن خطة الإصلاح القضائي، وبدء 23 رئيس سلطة محلية الإضراب عن الطعام أمام مقر إقامته بالقدس. انفراج الأزمة عقب كلمة نتنياهو، أعلن رئيس "الهستدروت"، آرنون بن دافيد، وقف الإضراب في الاقتصاد، قائلا "سأكون أول من يساعد رئيس الوزراء في قيادة المفاوضات لإيجاد إصلاح يتم صياغته باتفاق متبادل بين الطرفين، ويؤدي إلى توحيد الانقسامات في الأمة". وبعد ذلك، أعلنت لجنة العاملين في سلطة المطارات عن عودة العمل بدوام كامل في مطار بن غوريون، كما تم إلغاء الإضراب عن العمل في المنظومة الصحية. وأعلن رؤساء الجامعات أنه بعد خطاب نتنياهو بشأن تجميد التشريعات الخاصة بـ"إصلاح القضاء"، ستعود الجامعات إلى نشاطها الكامل والمنتظم الثلاثاء، بعد قرار سابق بتعليق الدراسة فيها، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية. كما أعلن رؤساء السلطات المحلية عن انتهاء إضرابهم عن الطعام، الذي بدأ الاثنين، في خيمة احتجاجية أمام منزل نتنياهو في شارع غزة بالقدس. وقالت نقابة الأخصائيين الاجتماعيين إنه "بعد توقف العملية التشريعية وقرار الهستدروت، ستعود جميع الخدمات الاجتماعية إلى العمل بكامل طاقتها غدا (الثلاثاء)". ورحب البيت الأبيض بإعلان نتانياهو، واعتبره "فرصة لإيجاد المزيد من الوقت والمساحة للتسوية"، داعيا في إفادة للمتحدثة باسمه كارين جان بيير، القادة الإسرائيليين إلى "إيجاد حل وسط في أقرب وقت ممكن". كذلك رحبت الخارجية البريطانية بقرار نتنياهو، وحثت في بيان جميع الأحزاب في إسرائيل على "الوصول إلى تفاهم طويل الأمد لهذه القضية الشائكة". وهنأت مجموعة من المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة نتنياهو بتجميد التشريعات الخاصة بـ"إصلاح القضاء"، ومن بينها "اللجنة اليهودية الأمريكية" و"مؤتمر الرؤساء" وغيرها. وقالت المنظمات في بيان: "نشجع جميع كتل الكنيست، الائتلاف والمعارضة على حد سواء، على استغلال هذا الوقت لبناء إجماع يشمل دعما واسعا للمجتمع المدني الإسرائيلي. السمة المميزة للديمقراطية هي التفاهمات العامة والاعتبار المتبادل". المعارضة ترحب بحذر من جانبها، رحبت المعارضة بقرار نتنياهو، وقال رئيسها يائير لابيد في تغريدات على تويتر "يجب أن ندع الرئيس (إسحاق هرتسوغ) يحدد آلية التفاوض ونثق به كوسيط عادل. هذا كل ما طلبناه في الشهرين الماضيين: حوار حقيقي وبناء من قيادة مستعدة لتحمل المسؤولية". وأضاف: "هذه أكبر أزمة في تاريخ البلاد. لدينا مسؤولية لحلها معا، حتى نتمكن من العيش سويا هنا. نحتاج اليوم إلى بناء البلد الذي سيعيش فيه أطفالنا في المستقبل". لكنه ألمح إلى إمكانية اتخاذ رئيس الوزراء للقرار كـ"مناورة لتهدئة الأجواء المتوترة" في الشارع قائلا: "سمعنا بقلق التقرير الذي بموجبه قال نتنياهو لرفاقه المقربين "أنا لن أتوقف في الحقيقة، أنا فقط أهدئ النفوس". وحذر لابيد من أنه "إذا حاول نتنياهو المناورة، فسيجد مرة أخرى مئات الآلاف من الوطنيين الإسرائيليين العازمين على النضال من أجل ديمقراطيتنا". بدوره، دعا وزير الدفاع السابق، رئيس تحالف "المعسكر الرسمي"، بيني غانتس، رئيس الوزراء نتنياهو إلى وقف ما سماه "التهديدات والإنذارات والتصريحات المتطرفة التي تبعدنا عن الهدف"، مضيفا في تغريدة بتويتر "أوقف (يا نتنياهو) كل شيء وأرسل فريقا إلى منزل الرئيس". وقال غانتس، إنه اتصل بنتنياهو وهنأه على تجميد التشريعات بالكنيست (البرلمان)، ودعاه إلى الإبقاء على وزير الدفاع المقال "يوآف غالانت" في منصبه، معتبرا أن ذلك "أمرا حيويا للأمن القومي وتهدئة النفوس في هذا التوقيت". ومساء الأحد، أقال نتنياهو وزير الدفاع غالانت، بعد يوم من مطالبة الأخير للحكومة بوقف خطة "إصلاح القضاء"، وعلى إثر ذلك، شهدت إسرائيل احتجاجات ليلية حاشدة استمر زخمها حتى ساعات فجر الإثنين. الشارع يواصل الغليان لم تقنع كلمات نتنياهو، المحتجين بالبقاء في منازلهم، وفور انتهاء خطابه، قال منظمو الاحتجاجات في تل أبيب (وسط) في بيان: "قادة مقاومة الديكتاتورية يدعون الجمهور للحضور إلى (شارع) كابلان". وبحسب المنظمين "غدا (الثلاثاء)، من المقرر أن تنطلق الاحتجاجات على مدار اليوم كجزء من النضال. وستنظم المظاهرات يوم السبت في جميع أنحاء البلاد". ووصف قادة احتجاج قطاع "الهاي تيك" في بيان قرار نتنياهو بـ"محاولة التخدير الفاشلة في الطريق إلى ديكتاتورية كاملة". وأضافوا: "لن نتوقف ولن نوقف الاحتجاج حتى يتم وقف التشريعات، وتبدأ مفاوضات صادقة ومفتوحة، دون مهلة، لوضع دستور لإسرائيل. الاحتجاج مستمر". و"الهاي تيك" هو أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي ويعمل فيه نحو 400 ألف شخص، يشكّلون 10 بالمئة من إجمالي العمّال في (إسرائيل)، وفق تقرير لهيئة الابتكار التابعة لوزارة الاقتصاد الإسرائيلية. وكان وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير قال قبل وقت قصير من خطاب نتنياهو، إنه اتفق معه على تأجيل التصويت على التشريعات حتى الدورة الصيفية للكنيست التي تبدأ في 30 أبريل/نيسان وتستمر حتى 30 يوليو/تموز 2023. وكان من المقرر أن ينتهي تمرير حزمة التشريعات الخاصة بخطة "إصلاح القضاء" المثيرة للجدل خلال الدورة البرلمانية الشتوية للكنيست التي تنتهي في 2 أبريل المقبل. مواجهات عنيفة ونزل آلاف المتظاهرين الإسرائيليين إلى منطقة وسط تل أبيب وحاولوا دخول شارع إيالون الرئيسي وإغلاقه، لكن الشرطة تصدت لهم ما أوقع مواجهات عنيفة، مساء الاثنين، أسفرت عن إصابة شرطيين اثنين، واعتقال 33 متظاهرا، قبل أن تستخدم الشرطة الخيالة والقنابل الصوتية والمياه العادمة لتفريق المتظاهرين. ومنذ 12 أسبوعا، يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين ضد خطة "الإصلاح القضائي" التي تدعمها حكومة نتنياهو، والتي تتضمن تعديلات تحد من سلطات المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) وتمنح الحكومة صلاحية تعيين القضاة. سيناريو متشائم فيما يذهب المتفائلون في إسرائيل، إلى جدية نتنياهو بشأن تجميد تشريعات "إصلاح القضاء"، يرى آخرون أن القرار لا يعدو أن يكون "مناورة سياسية" لكسب الوقت. أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أحد هؤلاء المشككين في نوايا رئيس الوزراء، معتبرا أن خطاب نتنياهو "يثبت أنه مصمم أكثر من أي وقت مضى على استكمال جميع التشريعات، والسيطرة على المحكمة العليا". وأضاف في تصريحات نقلها موقع "والا": "ليس لديه (نتنياهو) نية للترويج لمفاوضات حقيقية، لكن نيته هي الانتظار لوقت مناسب، وتفتيت الاحتجاج وإلقاء اللوم على المعارضة (فيما بعد) باعتبارها الجهة التي لم توافق على حل وسط". ومضى ليبرمان مستدركا: "لهذا السبب يجب أن نستمر في الاحتجاج بهدف تشكيل ائتلاف حكومي جديد قائم وإنهاء الأزمة بإجماع عريض على قضية المساواة في العبء وصياغة دستور وإنشاء محكمة دستورية". وليس لدى إسرائيل دستور، ولكن قوانين أساس، يسعى نتنياهو إلى تغييرها في إطار تشريعات خطته لـ"إصلاح القضاء".-(الاناضول)اضافة اعلان