حدث في تموز 1948: ‏طرد الفلسطينيين من اللد والرملة

‏فلسطينيون خلف سياج تمهيدًا لتهجيرهم قسرًا، الرملة، 10 تموز (يوليو) 1948- (أرشيفية)‏
‏فلسطينيون خلف سياج تمهيدًا لتهجيرهم قسرًا، الرملة، 10 تموز (يوليو) 1948- (أرشيفية)‏
‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة دونالد نيف*‏ - (تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط) 1994 ملاحظة المترجم: في العام 1994، نشرت مجلة "تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط" هذا المقال المهم الذي يسلط الضوء على فصل من النكبة الفلسطينية في العام 1948: قصة الطرد القسري والمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في حق الفلسطينيين في مدينتي اللد والرملة. وبطبيعة الحال، يظل المقال صالحًا في كل وقت كوثيقة تاريخية تسجل الأحداث المأساوية التي تكشفت خلال حرب العام 1948، وترسم صورة حية لنوع الصدمة التي رافقت خبرة اقتلاع الفلسطينيين القسري من منازلهم وأراضيهم. الآن، بعد مرور نحو ثلاثة عقود على نشر المقال، ومع حلول الذكرى 75 للنكبة الفلسطينية، ذهبت الكثير من الشخصيات المذكورة في المقال وتغيرت الكثير من المواقف. لكن أي تقدم يُعتد به لم يتم إحرازه على طريق تغيير الواقع الفلسطيني المأسوي الذي أحدثته النكبة. ومات كثيرون من المسؤولين عن الكارثة الإنسانية الهائلة التي حلت بالفلسطينيين، وبعضهم ينتظر، ولم يُحاسب أحد على مشاركته في جرائم الحرب الوحشية -بل وصل الكثيرون منهم إلى مناصب رفيعة في المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، ومُنح بعضهم جائزة نوبل للسلام، في تجاهل تام لتاريخهم الإجرامي واستهتار همجي بضحاياهم الفلسطينيين. يضيف هذا المقال إلى سرد النكبة الذي يحمي الذاكرة الفلسطينية المهددة من هجمة النسيان. ويتقاطع ما حدث في اللد والرملة في العام 1948 مع ما حدث في مئات البلدات والقرى والمدن الفلسطينية في سياق صناعة النكبة. وهو جزء من التاريخ الشخصي لكل الأجيال الفلسطينية، منذ بدء النكبة وحتى التحرر، وإلى الأبد. * * * ‏كان ذلك قبل 46 عامًا‏‏ عندما وجهت إسرائيل قواتها ضد مدينتي اللد والرملة الفلسطينيتين. في 13 تموز (يوليو) 1948، أجبرت القوات الإسرائيلية بالقوة جميع سكان المدينتين البالغ عددهم ما يصل إلى 70 ألف رجل وامرأة وطفل على الفرار من ديارهم. وتبع ذلك نهب منهجي. وتوافدت أسراب من المهاجرين اليهود الجدد إلى اللد والرملة، وفي غضون أيام تم تحويل هذه البلدات القديمة من بلديات فلسطينية إلى بلديات يهودية.‏ ‏ تقع اللد والرملة إلى الشرق من يافا، بين القدس وتل أبيب، وكان من المقرر أن تكونا جزءًا من الدولة الفلسطينية -كما كان حال يافا- وفقًا لخطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة في العام 1947. ومع ذلك، منذ بدء القتال الجديّ في نيسان (أبريل) 1948، لم تؤمِّن إسرائيل الاستيلاء على الأراضي التي حددتها الأمم المتحدة كجزء من الدولة اليهودية فحسب، بل أصبحت تعكف الآن على توسيع سيطرتها لتمتد إلى المناطق التي خصصتها الخطة للفلسطينيين. وكان قد تم "تطهير" يافا بالفعل من سكانها الفلسطينيين وأصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية.‏ قاد الهجوم الأولي على مدينتي اللد والرملة في 11 نيسان (أبريل) المقدم موشيه دايان، الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للدفاع والخارجية في إسرائيل. ويصفه المؤرخون الإسرائيليون بينما يتجه في مركبته على رأس كتيبته المدرعة "بأقصى سرعة إلى مدينة اللد، وتطلق قواته النار على المدينة وتصنع حالة من الارتباك ودرجة من الرعب بين السكان".‏(1) ‏ شهد اثنان من مراسلي الأخبار الأميركيين ما حدث في الهجوم الذي جاء في الأعقاب. وكتب كيث ويلر من صحيفة "‏‏شيكاغو صن تايمز"، ‏‏في مقال بعنوان "تكتيكات الغارة فازت باللد" أن "كل شيء تقريبًا في طريقهم مات. كانت الجثث الممزقة ملقاة على جانب الطريق". وكتب كينيث بيلبي من ‏‏صحيفة "نيويورك هيرالد تريبيون" ‏‏أنه رأى "جثث الرجال والنساء العرب -وحتى الأطفال- متناثرة في أعقاب الاجتياح الهائل الخالي من الرحمة".‏(2) ‏ تم إرسال جميع الرجال في سن الخدمة العسكرية إلى المعسكرات وتم الاستيلاء على جميع وسائل النقل. ووُعد سكان اللد بأنهم إذا تجمعوا في المساجد والكنائس فإنهم سيكونون آمنين. وفي 12 تموز (يوليو)، اندلع تبادل قصير لإطلاق النار في اللد بين الجنود الإسرائيليين وفرقة استطلاع أردنية قتل فيه إسرائيليان. وردًا على ذلك، أصدر القائد الإسرائيلي أوامر بإطلاق النار على أي شخص يتواجد في الشوارع. وصبَّ الجنود الإسرائيليون غضبهم على أولئك الذين يلوذون بالمساجد والكنائس، وقتلوا العشرات منهم في مسجد دهمش وحده. كما قُتل الفلسطينيون الذين غامروا بالخروج من منازلهم رميًا بالرصاص. وفي تلك الحادثة، قُتل ما لا يقل عن 250 من أبناء اللد وجُرح كثيرون آخرون.‏(3) وفي اليوم نفسه، أمر رئيس الوزراء، دافيد بن غوريون، بطرد جميع الفلسطينيين من المدينة. وجاء في الأمر: "يجب طرد سكان اللد بسرعة من دون الالتفات إلى العمر". وكان قد وقعه المقدم إسحاق رابين، رئيس عمليات هجوم اللد-الرملة، ولاحقًا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس وزراء إسرائيل في الفترة من العام 1974 إلى العام 1977، ومرة أخرى اليوم منذ العام 1992.‏(4)‏ كما صدر أمر مماثل بشأن مدينة الرملة.‏ ‏ في اليوم التالي بدأ النزوح القسري الجماعي للفلسطينيين. وكان أهل الرملة أكثر حظًا من جيرانهم سكان اللد، حيث نُقل معظم المطرودين من الرملة إلى المنفى في حافلات وشاحنات، بينما أُجبر أهل اللد على المشي.‏ ‏ كان النزوح الجماعي حلقة طويلة من المعاناة التي شهدها اللاجئون. في ذلك الحين، كتب قائد الفيلق العربي الأردني، جون باغوت كلوب باشا: "ربما اختطَف 30 ألف شخص أو أكثر، معظمهم من النساء والأطفال، ما استطاعوا من المتاع وفروا من منازلهم عبر الحقول المفتوحة... كان ذلك يومًا حارقًا في تموز (يوليو) في السهول الساحلية -درجة الحرارة حوالي 100 (حول 38 مئوية) في الظل. وكانت المسافة نحو 100 ميل (حوالي 170 كيلومترًا) عبر مناطق جبلية مفتوحة، الكثير منها محروثة، وجزء منها أرض بور صخرية وعرة مغطاة بشجيرات شوكية، حتى أقرب قرية عربية، بيت سيرا. ولن يعرف أحد أبدًا عدد الأطفال الذين ماتوا".‏ ‏‏ووفق المؤرخ الإسرائيلي، بيني موريس: "اتفق جميع الإسرائيليين الذين شهدوا الأحداث على أن النزوح الجماعي، تحت شمس تموز (يوليو) الحارقة، كان فصلًا مطوَّلاً من معاناة اللاجئين، وخاصة من اللد. وقد جرد الجنود بعضهم من ممتلكاتهم الثمينة أثناء مغادرتهم المدينة أو عند نقاط التفتيش على طول الطريق. وسجل جندي إسرائيلي... انطباعات حية مُسهبة عن عطش اللاجئين وجوعهم على الطرقات، وكيف "ضاع الأطفال" وكيف سقط طفل في بئر وغرق وتم تجاهله، بينما كان اللاجئون يقاتلون بعضهم بعضا على سحب المياه. ووصف جندي آخر البؤس الذي خلفته الطوابير المنهكة المتحركة ببطء، "بدءًا من الأواني والأثاث التي تم "التخلص" منها، وفي النهاية، جثث الرجال والنساء والأطفال، متناثرة على طول الطريق!‏ "مات عدد غير قليل من اللاجئين -من الإرهاق والجفاف والمرض- على طول الطرق باتجاه الشرق، من اللد والرملة، قبل أن يصلوا إلى راحة مؤقتة بالقرب من رام الله وفيها. وقدَّر نمر الخطيب عدد القتلى بين لاجئي اللد خلال الرحلة شرقًا بـ335 شخصًا؛ وكتب قائد الفيلق العربي، جون كلوب باشا، بقدر أكبر من الحذر أنه ’لن يعرف أحد أبدًا عدد الأطفال الذين ماتوا‘".‏(6) ‏ ثمة ما هو أكثر من مجرد الشمس القاتلة والتضاريس الوعرة أسهم في بؤس الفلسطينيين المشردين. قام الجنود الإسرائيليون بتفتيشهم بحثًا عن المقتنيات الثمينة، وقتلوا بشكل عشوائي أولئك الذين لم يعجبوهم أو اعتقدوا أنهم يخفون ممتلكاتهم. وذكرت مجلة "‏‏الإيكونوميست" اللندنية أنه "تم تجريد اللاجئين العرب بشكل منهجي من جميع ممتلكاتهم قبل أن يتم إرسالهم في رحلتهم المضنية إلى الحدود. كان لا بد من ترك كل شيء وراءهم: ممتلكات الأسرة، والمتاجر، والملابس".‏(7‏) ويتذكر أحد الناجين الفلسطينيين الشباب: "قُتل اثنان من أصدقائي بدم بارد. كان أحدهما يحمل صندوقًا تم افتراض أنه يحتوي على نقود والآخر وسادة اعتقدوا أنها تحتوي على أشياء ثمينة. قاوم صديق لي وقتل أمامي. كان معه 400 ليرة فلسطينية في جيبه".‏(8) اندلاع أعمال النهب‏ ‏بعد الخروج القسري للفلسطينيين، بدأت أعمال النهب في اللد والرملة. وكما أفاد المؤرخ الإسرائيلي سمحا فلابان: "مع رحيل السكان، شرع الجنود الإسرائيليون في نهب البلدتين في نوبة نهب جماعي لم يستطع الضباط منعها أو السيطرة عليها... حتى جنود البلماخ -الذين جاء معظمهم من الكيبوتسات أو كانوا يستعدون للانضمام إليها- شاركوا في سرقة المعدات الميكانيكية والزراعية.‏(9)‏ وقامت القوات الإسرائيلية بنقل حمولة 1.800 شاحنة من الممتلكات الفلسطينية، بما في ذلك مصنع للأزرار، ومصنع للنقانق، ومصنع للمشروبات الغازية، ومصنع للمعكرونة، ومصنع للنسيج، ومحتوات 7.000 متجر للبيع بالتجزئة، و1.000 مستودع، و500 ورشة".‏(10) حل محل الفلسطينيين مهاجرون يهود جدد، وسرعان ما أصبحت اللد والرملة "بلدتين يهوديتين بشكل أساسي"، على حد تعبير المؤرخ موريس.‏(11)‏ وتسمى اللد Lydda الآن لُد Lod.‏ ‏ ظل الطرد الوحشي للفلسطينيين من اللد والرملة لفترة طويلة موضوعًا حساسًا في إسرائيل. وكتب رابين بصراحة عن الحادث في مذكراته في أواخر سبعينيات القرن العشرين، لكنّ الحكومة الإسرائيلية فرضت رقابة على الفقرات التي تتناوله.‏(12)‏ وفي العام 1978، ألغت الرقابة الإسرائيلية فيلمًا تلفزيونيًا يستند إلى رواية يزهار سميلانسكي الكلاسيكية، "‏‏حكاية ‏‏هيربر هيزا"، وهي رواية قصيرة كتبها تحت الاسم المستعار "س. يزهار" وتحدث فيها عن تجاربه كضابط مخابرات إسرائيلي شاب شهد في العام 1948 طرد الفلسطينيين من منازلهم. وتضمنت عبارات سميلانسكي التي اعتُبرت مسيئة العبارات الآتية: "جئنا، أطلقنا النار، أحرقنا. فجرنا، طردنا ونفَينا... ألن تصرخ الجدران في آذان أولئك الذين سيعيشون في هذه القرية؟‏"(13) ما تزال أصداء المعاملة الوحشية التي لقيها سكان اللد والرملة مستمرة حتى اليوم. كانت إحدى العائلات التي أجبرت على مغادرة اللد هي عائلة جورج حبش، الذي أصبح فيما بعد أحد أكثر أعداء إسرائيل إثارة للرعب كرئيس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، المسلحة التي مارست حرب العصابات.(‏14)‏ والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليوم من بين الجماعات الرافضة التي تعارض السلام مع إسرائيل.‏ *دونالد نيف Donald Nef: مؤلف ثلاثية "المحاربون" التي تتناول العلاقات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، و"دليل الشرق الأوسط" غير المنشور، وهو بنك بيانات زمني للأحداث المهمة التي تؤثر على سياسة الولايات المتحدة والشرق الأوسط، والتي يستند إليها هذا المقال. *نشر هذا المقال تحت عنوان: It Happened in July: Expulsion of the Palestinians—Lydda and Ramleh in 1948 المصادر: (1) Resolution 515; the text is in Simpson, United Nations Resolutions on Palestine and the Arab-Israeli Conflict: 1982-1986, p. 220, and Mallison, The Palestine Problem in International Law and World Order, p. 482. (2) Resolution 516; the text is in Simpson, United Nations Resolutions on Palestine and the Arab-Israeli Conflict: 1982-1986, p. 220. (3) U.S. U.N. Mission, "List of Vetoes Cast in Public Meetings of the Security Council," 8/4/86. The 1982 vetoes, in addition to the one on 8/6, took place on 1/20, 4/2, 4/20, 6/8, and 6/26. (4) Schiff & Ya'ari, Israel's Lebanon War, p. 216. (5) Khouri, The Arab-Israeli Dilemma, p. 433. (6) Schiff & Ya'ari, Israel's Lebanon War, p. 215. (7) Silver, Begin, p. 237. (8) Spiro, Gideon, "The Israeli Soldiers Who Say 'There is a Limit,"' Middle East International, Sept. 9, 1988. Also see "Documents and Source Material:' Journal of Palestine Studies, Summer 1988, p. 201. (9) Fisk, Pity the Nation, 391-93. Excerpts are in "Documents and Source Material:' Journal of Palestine Studies, Summer/Fall 1982, pp. 318-19. (10) Augustus Richard Norton, Washington Post, 3/1/88. [email protected] اقرأ المزيد في ترجمات
اضافة اعلان