مسنون في غياهب القسوة

نشرت وزارة التنمية الاجتماعية في الصحف اليومية صورا لستة مسنين تطلب من أقاربهم أو الذين يعرفونهم، أو من يعرفون أي شيء عنهم، إبلاغها حتى يتسنى للوزارة معرفة هوية هؤلاء المسنين الذين يقبعون في مركز للمسنين تابع للوزارة. ولم تلجأ الوزارة لهذه الطريقة، إلا بعد أن يئست من الوصول إلى معلومات عنهم بالطرق الاعتيادية. ويبدو أن هؤلاء المسنين منسيون من رحمة أبنائهم وأقربائهم. وكانت الوزارة سابقا نشرت صورا لأحد عشر مسنا، هم الآخرون منسيون من ذاكرة المقربين. وبعد إعلان الصور في المرة الأولى، تعرف البعض على عدد من المسنين، فيما بقي آخرون في "طي النسيان". اضافة اعلان
مشاعر الحزن تسيطر على الإنسان عند قراءة الإعلان، ولكن أسئلة كثيرة تخطر على البال أيضا، خصوصا عن أسباب غياب الأهل والأقرباء والمعارف عن هؤلاء المسنين، وكيف تقطعت بهم السبل للوصول إلى هذه الوحدة الصعبة والقاسية؟ ولماذا تركوا لمواجهة قسوة الزمان في الوقت الذي هم بحاجة ماسة إلى الأقرباء والحنان والعطف؟
ومهما كانت نوعية الأسئلة، فإن الإجابات عنها لن تؤدي إلى تغيير مصير هؤلاء، فقد عانوا، وعاشوا ظروفا صعبة، ولولا رحمة الله، لما وصلت بهم الحال لوزارة التنمية الاجتماعية. ولكن، قد تكون الإجابة عن مثل هذا النوع من الأسئلة مقدمة للتقليل من أعداد المسنين المنسيين كليا من أقربائهم. طبعا، نسيان المسنين لا ينحصر بهؤلاء فقط، فأكيد أن هناك آخرين يعانون من نسيان كلي أو جزئي. كما أن هناك آخرين يعانون من قسوة مباشرة للأقرباء، بحيث تفرض عليهم معاناة عنوانها الجحود والإنكار.
في كل الأحوال، لن تنتهي هذه الحالات، فدائما هناك جاحدون، وهناك متضررون، ولكن الأهم، أن تكون هناك مؤسسات مجتمعية قادرة على معالجة هذه الحالات، وتوفير الأمن والأمان والحماية. ولذلك هناك حاجة فعلية لرعاية أكبر للمسنين من قبل الدولة، وقبل ذلك طبعا من قبل أبنائهم وأقربائهم. الآن تشتري وزارة التنمية خدمات لرعاية المسنين في دور الرعاية لنحو 140 مسنا، من ما مجموعه 322 مسنا ينتفعون من خدمات دور رعاية المسنين التطوعية والخاصة التي يصل تعدادها إلى تسع دور رعاية، وخمسة أندية نهارية.
لا يجوز ترك المسنين لأهواء وتقلبات الزمن، علينا جميعا العمل لرعايتهم، وتقديم أفضل الخدمات لهم، فهم الآباء والأمهات والأشقاء والأصدقاء والجيران.. إنهم الأحبة، فلماذا نتركهم يواجهون الحياة وحدهم من دون معين؟