الصورة سوداء!!

زمان لم تكن الهواتف الخلوية موجودة لتلتقط كل لحظة بحياتك، بل كان التصوير محصورا في الأعراس، كان يتم استئجار كاميرا مع فيلم أربع وعشرين صورة، وكان يجب بهذا العدد المحدود من الصور أن يتم تغطية كافة مراسم الفرح وأن يظهر الجميع بالصور سواء من أهل العريس أو من أهل العروس وكذلك الجيران والأصدقاء والذبايح والطناجر وبيوت الشعر والكراسي. اضافة اعلان
عادة ما كان يتطوّع لهذه المهمة أحد أقارب العريس الذي خبرته في التصوير مثل خبرة جدتي في السوفت واير، وكان من يكلف بهذه المهمة يشعر كما لو أنه كُلّف بإحدى الوزارات فالكل يستجدي عطفه ويتودد له حتى يظهر بالصور، ومن حالفه الحظ وظهر بالصورة كان يشعر بفرحة غامرة كما لو أنه ظهر على قناة الجزيرة.
لم يكن بالإمكان بهذا العدد المحدود من الصور إلا أن يلجأ المصور لالتقاط صور جماعية كالتي تلتقطها الفرق الرياضية قبل بدء المباريات وذلك حتى يتمكن من إظهار أكبر عدد ممكن من المدعوين في الصور.
 عندما كانت تقف العائلة أمامه كان الكل يعتقد أنه سيظهر بالصورة، مع أن صورة جماعية بهذا العدد الكبير تعجز أقمار التجسس من الفضاء عن التقاطها وليس عدسة كاميرا عادية!
كان المصور لا يملك أي خبرات تذكر في التنسيق، فكان الطويل يقف قبل القصير والختيار قبل المولود، ولزيادة جمالية الصورة كان يتم الاستعانة بقوار زريعة فيها مشمشة منذ سنوات وكانت توضع أمامهم بالضبط  فتغطي أغصانها وأوراقها على أكثر من نصف الواقفين، وكان يجهل أن عليه تنبيههم بالاستعداد للصورة والابتسامة فكانت الصور توحي أن من فيها مطلوبين للتنفيذ القضائي وليسوا مدعوين لحفل زفاف. 
كان المصور حتى يظهر بصورة المحترف يطلب كرسيا أو طربيزة للوقوف عليها، فلا يظهر بالصورة من كان جالسا على الأرض، بينما من كان واقفا لا يظهر بالصورة سوى عقاله أو صلعته، ومن يقفون في الزوايا فكانت الكاميرا لا تلتقط سوى آذانهم.
بسبب هذه الموهبة الفذة بالتصوير كان نصيب مروحة الحائط من الصور أكثر من نصيب العرسان أنفسهم.
حين يتم تحميض الصور تبدأ عملية التحزير بينهم، فالصور كما لو أنها التقطت لضحايا حادثة سقوط طيارة وليس لمدعوين لحفل زفاف، فكان من الصعب جدا التعرف على الشخوص الموجودين لأن المصور نسي أن هناك اختراعا اسمه  فلاش!
بالنسبة للصور التي نجح المصور بالتقاطها لأنها لم تكن بحاجة إلى فلاش، لا يوجد للأسف من بينها أي صورة تجمع العروسين وحدهما، فكل الصور تظهر فيها العمات والخالات والجدات لإرضائهن وتعدية العرس على خير، ولأن معظمهن انتقلن الى رحمة الله تعالى، فلا يستطيع العريس تعليق أي صورة في منزله من حفل زفافه حتى يتذكر أجمل لحظات حياته، فلا تكاد صورة تخلو من مرحوم أو أكثر لذلك يصبح تعليقها مدعاة للحزن والبكاء لا للفرح والسعادة.