إضراب البلديات: المطالب والتوعية والقانون

لم تكن المسألة تحتاج إلى 150 كيلو مترا؛ تلك المسافة التي قطعتها باتجاه الكرك، لأكتشف حجم العبث البيئي الذي تعيشه تلك المحافظة، إلى جانب عدد آخر من محافظات المملكة، إثر الإضراب الذي نفذه عمال البلديات، قبل أن يتم تعليقه مدة 14 يوما بعد أن توصل رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة لاتفاق مع ممثلي البلديات.اضافة اعلان
العديد من الفيديوهات والصور والتقارير التي نشرتها "الغد" على مدار الأيام الماضية تسلط الضوء على الحال الذي وصلت إليه هذه المحافظات جراء الإضراب، لكن أن تشاهد الأمر "بأم العين"، فالقصة تختلف كليا، فالأثر واضح، والمشكلة البيئية تتفاقم. وأكاد أجزم لو أن مسؤولي البلد قاموا بذات الجولة الميدانية، واطلعوا على واقع الحال في الشوارع، لقرروا بلا تردد إنهاء إضراب العمال بأي صيغة توافقية كانت.
العديد من الخدمات التي تعنى وزارة البلديات بتقديمها للمواطنين، ساهم الإضراب في تعطيلها. لكن جانبا واحدا منها كان له أثر مباشر، وانعكاسات خطيرة كونه على تماس بحياة الناس، ويحمل مخاطر بيئية وصحية، إلى جانب المخاطر الاقتصادية بالغة الأهمية، إذ أن تراكم النفايات في الشوارع والأسواق يعيق الحركة التجارية، ويترك انطباعا سلبيا عند زوار المملكة.
المبادرة التي أطلقها مواطنون في عدد من المناطق عبر استئجار مركبات للتخلص من النفايات أو عبر إزالتها بأنفسهم، تثمن وتقدر، لكن لا يمكن إنكار أن الإضراب أظهر ضعف ثقافة الناس في سبل التخلص من النفايات، بالتزامن مع عدم وجود نقاط تجمع لها، ما فاقم من حجم المشكلة وأظهرها بهذا الشكل.
الأمر يجعلنا ننظر للمسألة من جانبين؛ الأول الحمل الكبير الملقى على عمال الوطن من أجل التخفيف عن البيئة والمحافظة على النظافة في الشوارع والأسواق، وأمام المنازل، ما يتوجب أن يقابله تحسين لأوضاعهم المالية، والنظر لمطالبهم بجدية. أما الثاني، فهو توعوي وقانوني، فالتخلص العشوائي من النفايات المنتشرة بكثرة، هو فعل يجرم في القانون. لكن القانون غير مفعل على من يلقون النفايات في الشارع أو الأماكن العامة، فالقانون يبدو كما لو أنه حبر على ورق، ونتائج عدم تفعيله ظاهرة للعيان أينما اتجهنا.
اعتقد، أن الجانب الأول المتعلق بإضراب العمال وجد طريقا لحل مؤقت، وسيعود العمال إلى ممارسة أدوارهم التي نقدرها ونجلها، أما الجانب الثاني فهو الأخطر والأعمق والأبعد، إذ يبدو أن الحملات التوعوية العديدة التي أطلقتها على مدى سنوات كل من وزارة البيئة والمنظمات والمؤسسات المعنية في هذا الجانب ذهبت أدراج الرياح، ولم يعد يرى لها أثر.
النفايات عاثت فسادا في بعض محافظات المملكة، وعمالنا ما يزالون يتمسكون بمطالبهم رغم الهدنة محددة المدة، ووزارة البلديات للأسف لم تحرز أي تقدم في هذا الاتجاه، وبين هذا الثالوث، ليس بوسعنا سوى الانتظار حتى يتم تفكيك أحجية تعنت جميع الأطراف، حتى لا نصحو بعد 14 يوما على مشاهد تراكم النفايات على قارعة الطريق، واستنشاق الروائح التي تفوح من أكوام الأكياس والكراتين الملقاة دون وعي أو إدراك لخطورتها على صحتنا وبيئتنا.