مخاض جديد!

 ليست الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات العسكري، بحدّ ذاتها، هي التي قلبت "قواعد اللعبة" في سورية، بل الدلالات السياسية المترتبة عليها، والمتزاوجة مع المواقف والتصريحات الأميركية الجديدة، بخاصة تلك التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عشية زيارته إلى موسكو، وغداة لقائه وزراء خارجية الدول الصناعية بالقول "من الواضح لنا أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية"!اضافة اعلان
    بدأت معالم الأهداف الأميركية تنجلي أكثر، أولاً إنهاء "تركة أوباما" في سورية، عبر الدخول المباشر على الخط العسكري وبناء النفوذ، وعدم القبول بالتخلّي عن هذا الملف لصالح روسيا، وثانياً بإعادة تعريف الأهداف الأميركية لجعلها مزدوجة؛ محاربة داعش وتحجيم نفوذ إيران، ثم أخيراً حسم الموقف الذي كان غامضاً ومتذبذباً في البداية من مصير الرئيس بشار الأسد، إذ تحولت التصريحات الأميركية، للرئيس وأركان الإدارة ووزير الخارجية من التصريح بترك مصيره إلى قرار شعبه (ما يعني التخلي عن شرط إسقاطه أو خروجه خلال العملية الانتقالية) إلى الإصرار على إنهائه سياسياً، وعدم القبول بدور له في المرحلة الانتقالية.
    لم يعد موضوع الأسد، إذاً، غامضاً في موقف الإدارة الأميركية، وهو تحوّل على صعيد الخطّ العام كبير، حتى بالمقارنة مع تراجع إدارة أوباما عملياً وواقعياً، في الفترة الأخيرة عن ذلك الشرط، لكن، وهنا بيت القصيد، فإنّ وضع موضوع الأسد ضمن الاهتمامات والأولويات الأميركية، وإعادة تحميس الأوروبيين بهذا الخصوص، يعيدنا إلى طرح السؤال الرئيس، كيف؟ وبأيّ طريقة؟
    الرهان الأميركي إلى الآن يقع ضمن محاولة إغراء الروس وغوايتهم بالابتعاد عن الأسد وإيران، وتفكيك هذا التحالف الصلب، الذي قلب موازين المعارك في سورية خلال الفترة الماضية، ونلاحظ من تصريحات تيلرسون نفسه أنّهم يقدمون رسائل تؤكد على دور روسيا وحضورها في تقرير مستقبل سورية، لكن مع التخلّي عن الأسد.
    هل هذه المعادلة "تخلي بوتين عن الأسد" ممكنة فعلياً على أرض الواقع، وهل مستوى الثقة بين الطرفين  (أميركا وروسيا) يساعد على تحقيق هذا الرهان الأميركي؟ الجواب يرجّح الاحتمال الثاني؛ لا. بالطبع قد يكون في جعبة الأميركيين جوائز للروس في حال قرروا التخلي عن الأسد، أو القبول بخوض العملية السياسية من دونه، ومما يقال في هذا المجال أنّ هنالك إمكانية لترتيب الأمور في منطقة القرم بما يرضي الروس، ولاحقاً إزالة العقوبات الاقتصادية عنهم.
     زيارة تيلرسون لموسكو أمس مهمة، لكشف نوايا الطرفين، وبناء تحديد أفضل لدى الأميركيين عن حقيقة ردود الفعل الغاضبة الروسية، فيما إذا كانت حقيقية، وستحمل في طيّاتها تصعيداً عسكرياً قادماً، ومكاسرة مع حلفاء أميركا في سورية، أم أنّه بهدف إثارة الغبار، للتغطية على الشروط والمطالب الحقيقية لدى الروس في سورية، والتفاوض على سقف مطالبهم.
   صحيح أنّ الروس ليسوا متمسكين مبدئياً بالأسد، كما يلاحظ سياسيون عرب، وصحيح أيضاً أنّهم غير معجبين كثيراً بأيديولوجيا الإيرانيين وسلوكهم الديني والسياسي، ولا يثقون بهم تماماً، لكن صحيح ثالثاً، وذلك أكثر أهمية مما سبق، أنّهم إلى الآن غير مقتنعين بأي بدائل استراتيجية أخرى، ولا يثقون أكثر بالأطراف الأخرى، بخاصة الأميركيين والغربيين.
   الآن، سؤال المليون، فيما إذا لم يقبل الروس بالمواقف الأميركية الجديدة، وأصرّوا على تحالفاتهم الراهنة مع إيران وعائلة الأسد، فما هي الخطط الأميركية للمرحلة القادمة، ولتحقيق الأهداف السابقة، وما هو انعكاس هذه الخلافات المقلقة الجديدة بين أميركا وروسيا على أرض الواقع في سورية، وعلى المصالح الأردنية الاستراتيجية في منطقة درعا، في ظل التفاهمات الأردنية- الروسية حول الهدنة العسكرية هناك؟!