كيف هو الإسلام إذن؟

حالة الانقسام والاستقطاب الحادّين في مجتمعات الثورات العربية، منذ نحو أربع سنوات، تعرقل إفراز جدل ثقافي حقيقي يسائل الفكرة الدينية، ويطرح بصراحة ووضوح كيف أن التدين الخشن المغلق، المسلّح بالعنف والإقصاء، كان –مثلا- عاملا مانعاً لنجاح الثورة السورية. إذ كان المفروض، أمام ضريبة الدم الباهظة واللجوء والتشريد لمئات آلاف السوريين، أن تنهض حالة وطنية تتجه، من ضمن ما تتجه إليه، إلى تبني تصوّر جديد لنظام التدين، يتم فيه التخلص من المكونات التديّنية التي تشكّل منبعا للهزيمة أمام البطش والاستبداد، ومعوّقاً أمام النهوض والتقدّم. هذه الحالة على النقيض من الفهم الشعبي الراسخ والشائع الذي يحيل أسباب الهزائم إلى التقصير بحق الدين.اضافة اعلان
اليوم، وبعد صعود وانتشار "جيل ما بعد القاعدة" الذي يعتمد سياسة الرعب والترويع في صلب الترويج لأيديولوجيته وصراعه مع الخصوم الكثيرين، ثمة تزايد في المطالبات بإصلاح ديني جذري. وقد أصبح شائعاً أمام الممارسات الإرهابية والدموية التي يرتكبها تنظيم "داعش" أن يقول كثير من المسؤولين والدبلوماسيين والمعلقين الأجانب والعرب، إن الإسلام ليس ما يقوم به "داعش". ولعل هذا ما يدفع باحثين للتساؤل، بشكل طبيعي ومنطقي: "كيف هو الإسلام إذن؟"، أو على أي نموذج ينبغي أن تُبنى النظرة والفكرة الصحيحتان إلى الإسلام؟
ويذهب هؤلاء إلى تأكيد أنه بالعودة إلى الإصلاح الديني، يتعين تحديد مسألتين: الأولى، أنه لا يمكن إجراء إصلاح "غب الطلب"؛ يلائم الرأي العام غير الإسلامي بغية طمأنته إلى أن الإسلام دين تسامح وليس دين عنف وقطع رؤوس مثلما يصوره "داعش"، وأن الأكثرية الساحقة من المسلمين ليست في وارد الاعتداء على غير المسلمين أو المسلمين المخالفين في المذهب والطائفة، كما جرى أخيرا في منطقة الإحساء شرقي السعودية، يوم احتفال الشيعة بيوم عاشوراء. ويصطدم هذا التطلب، كما ينبّه حسام عيتاني، بحقيقة أن الرواية الإسلامية الرسمية للتاريخ ما تزال خارج التداول النقدي، وما يزال هناك من يعتبر ما كان يصح في القرنين الأول والثاني للهجرة، يصح اليوم؛ سواء من ناحية تصور المسلمين للعالم من حولهم، أو للقيم التي يدعو دينهم إليها في تعاملهم الداخلي.
أما المسألة الثانية، وفق عيتاني، فتتلخص في أن الإصلاح يعكس حكماً درجة التطلب الاجتماعي. فإذا كان العنف وموقعه في الإسلام هو ما يقلق العالم الخارجي الذي يرى فيه مقدمة لاستغلال عدد من الآيات والفتاوى من قبل الجماعات الإرهابية، فإن ذلك لا يتطابق بالضرورة مع حاجات المسلمين إلى إصلاح من نوع آخر، كان باشره محمد عبده، على سبيل المثال، ثم توقف بعد اضمحلال البيئة الاجتماعية والثقافية التي شجعته على التحرك.
اليوم، نفتقد رجال دين مسلمين يتحلون بالقدر اللازم من الشجاعة للقول إن الإسلام يحتاج الى إصلاح يتجاوز الفتاوى التي تصدر بناء على إشارات السلطات السياسية، إلى ما هو أقدر على مداواة أمراض كثيرة.
جريمة الإحساء الأخيرة نبّهت إلى ضرورة التعاطي بجدية أكبر مع مسألة الإصلاح الديني الجذري، الذي من شأنه أن يشكّل أساساً يحول دون استغلال الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في شرعنة الاعتداء على الحريات، والتفنن في قتل الخصوم وإرهاب المجتمعات.
من المفترض أن يكون هناك إلحاح وطلب اجتماعي على هذا النوع من الإصلاح الديني الجذري، الذي يقدم الإسلام بوصفه حرية وتقدما وإنسانية وحبا ورحمة وسلاما وحضارة، لأن الغاية هنا حماية حياة الناس وأعراضهم وكرامتهم وحرياتهم وتمدنهم وصون بشريتهم، ومنع رجوعهم إلى شريعة الغاب.