التعليم المهني: علينا أن نبدأ!

في الآونة الأخيرة ومع تفجر مشكلة البطالة في الأردن كثر الحديث عن أهمية التوجه نحو التعليم المهني وزيادة نسب الإقبال عليه كأحد الحلول لهذه المعضلة في ظل إحصائيات تقول بأن نسبة البطالة بين خريجي التخصصات الأكاديمية تصل إلى 25 % بينما لا تتجاوز 5 % بين خريجي التعليم المهني والتقني.اضافة اعلان
بالمقارنة مع معظم الاقتصادات العالمية تعتبر نسب الالتحاق بالتعليم المهني في الأردن متدنية جداً، فمن بين ما يقارب 330 ألف طالب في مرحلة التعليم الجامعي، هنالك نحو 12 % فقط يتوجهون للتعليم المهني والتقني في الكليات المتوسطة، بينما تسجل نسب الالتحاق بالمسار المهني الثانوي في المدارس نسباً أدنى من ذلك بكثير، ما يتطلب وقفة جادة ومتفحصة حول الأسباب المؤدية لذلك والبحث عن الحلول الحقيقية التي من شأنها قلب المعادلة وتصحيحها.
في كل مرة يجري فيها الحديث عن التدني في نسب الإقبال على التعليم المهني، يتم إعزاء ذلك بالدرجة الأولى إلى الثقافة الاجتماعية، لكن الواقع يضحض هذا الادعاء الذي لم يعد منصفاً ولا دقيقاً، وأفضل دليل على ذلك ما شهدته أمانة عمان في الأعوام الأخيرة من تقدم أعداد كبيرة جداً من الأردنيين بطلبات للعمل في وظيفة عامل وطن حين تحسنت ظروف وشروط العمل في هذه المهنة.
الأمر إذن يرتبط بعوامل أخرى لم تعد الثقافة أهمها، ومن أبرزها أن ظروف العمل في المجالات التقنية والمهنية بالغالب تفتقر لمقومات العمل اللائق كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتحديد ساعات العمل والأجور لذلك فهي لا تغري الأردنيين للالتحاق بها.
إلى جانب ذلك فقد أسهمت تعديلات نظام الخدمة المدنية التي وضعت خريجي الكليات المتوسطة في درجة أدنى من حملة البكالوريوس وحدت من إمكانية تدرجهم وارتقائهم وظيفياً، في زيادة العزوف عن هذا المسار.
الأنظمة والتشريعات التعليمية أيضاً كرست لدى الطلبة والمجتمع بالعموم نظرة سلبية نحو التعليم المهني والتقني، بربط خيار الالتحاق بالتعليم المهني بالطالب ذي التحصيل الأكاديمي المتدني، بل وجعله خيار من لا خيار له ممن فشل في النواحي الأكاديمية.
بالاضافة لذلك فإن تدهور البيئة التعليمية في المدارس المهنية ومراكز ومعاهد التدريب والكليات المتوسطة تسببت في نشوء نظرة دونية للملتحقين بها وعملت على نفور الطلبة منها، كما نتج عنها مخرجات غير مؤهلة وغير منافسة ولا موائمة لمتطلبات سوق العمل.
أمور أخرى عديدة أيضاً يعانيها قطاع التعليم المهني منها نقص التمويل، وافتقار المدربين للتأهيل الكافي، والحاجة لوجود دراسات مسحية تظهر الاحتياجات الفعلية لسوق العمل المحلي والخارجي والتركيز على التخصصات التي تلبي تلك الاحتياجات وتقليص التخصصات التي لم تعد مطلوبة نتيجة التغيرات التكنولوجية والاقتصادية وغيرها.
القضية بالتأكيد لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، ولكن العديد من الدراسات أجريت وأطلقت الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية في السنوات السابقة، وبينت جميعها مواطن الخلل فيما يتعلق بالتعليم المهني وقدمت عددا من التوصيات لحلها ولم نلمس حتى الآن تحسناً ولو طفيفاً على واقع هذا القطاع سواء في نسب الالتحاق أو في جودة المخرجات.
في غضون أسابيع قليلة سينتهي العام الدراسي، وسيكون الطلبة على موعد لتحديد وجهتهم سواء في التعليم الثانوي أو الجامعي، علينا أن نبدأ من هنا، دون أي تأخير، وربما يكون إطلاق حملة وطنية عصرية محفزة بتوجيه الطلبة نحو التعليم المهني والتقني يرافقها الإعلان عن إجراءات سريعة لتحسينات وإن تكن جزئية في البيئة التعليمية المهنية، من الخطوات الأولى.
علينا أن نباشر العمل وأن نبدأ بالخطوات الأولية السريعة وأن نسير فيها بالتوازي مع العمل الاستراتيجي طويل الأمد، ففي ظل معضلة البطالة المرتفعة بين الشباب وما نعانيه من صعوبات اقتصادية عديدة، نحن لا نملك ترف الوقت والاسترخاء.