نتائج التوجيهي..مجتمع العباقرة

فهد الخيطان

سنة بعد سنة نمضي صوب التحول الكامل لمجتمع من العباقرة، على ما تفيد به نتائج امتحان الثانوية العامة.العام الماضي حصل طالب واحد على معدل 100 وكان ذلك مثارا للتعجب والجدل. وفي هذه السنة حدثت قفزة كبيرة، فمن حصل على العلامة الكاملة وصل عددهم إلى 78، ومن هم أقل من ذلك بأعشار بالآلاف.اضافة اعلان
إذا استمرت القفزات تتضاعف على هذا النحو، سيكون الأوائل بالآلاف، ومعدل الرسوب لايقل عن تسعين.
لابد أن شيئا خارقا قد حصل لابنائنا على مدار عامين وإلا بماذا نفسر هذا النبوغ العجيب والمفاجىء؟ هل هي طفرة جينية لجيل من المواليد أم أن نظام الامتحانات السابق كان ظالما لأفواج من الطلبة العباقرة؟
السنة الحالية تحديدا كانت قاسية جدا واستثنائية على طلاب المدارس.إضراب دام شهرا كاملا عطل الدراسة في المدارس، ثم جائحة كورونا التي أغلقت المدارس منتصف الفصل، وفرضت تعليما عن بعد كان مثار نقد من الطلبة والأهالي.
هل الفضل للتعليم عن بعد أم لنظام امتحانات متسامح ومتساهل؟
كان الطلبة وأهاليهم في غاية القلق من تأثير تلك الظروف في تحصيل أبنائهم، لكن تحولا غامضا حصل في الأثناء قلب النتائج رأسا على عقب.
تقول وزارة التربية والتعليم إن أسلوب الامتحانات القائم على الأسئلة الموضوعية والاختيار من متعدد يمنح فرصة الحصول على علامة كاملة، لنسبة معينة من الطلبة.
لكن ذلك التفسير على أهميته لايكفي لفهم الظاهرة الاستثنائية وغير المسبوقة. وإن كان هذا النمط من الأسئلة أكثر عدالة وإنصافا من غيره، فلماذا لم نعتمده في الدورات الماضية؟
وفي تبرير آخر تقول الوزارة إن نتائج الامتحانات ليست تعبيرا دقيقا عن مستوى الطلبة وقدرتهم على الفهم والتفكير النقدي، وعليه لماذا نقلق عندما لاينجح أحد في بعض مدارسنا؟ الأرجح أن طلاب تلك المدارس من فئة "لم ينجح أحد" أذكياء لكنهم زاهدون في البحث عن علامات مرتفعة، ويفضلون الفهم على النجاح في الامتحان، ومدارسهم لا مشكلة فيها أبدا، وظروفهم المعيشية ممتازة!
ومادامت الامتحانات لاتقيس مستوى النبوغ والذكاء، فلماذا نغضب من نتائج طلابنا في المسابقات الدولية التي تقيس قدراتهم في الرياضيات والعلوم مقارنة بأمثالهم من دول العالم؟
الحقيقة وبعد النتائج الأخيرة لامتحان الثانونية العامة صار لزاما علينا أن لا نتواضع أبدا ونجاهر العالم فخرا بالنموذج التعليمي الأردني. وبعد الآن أصبح من حقنا التفكير في تصدير هذا النموذج عوضا عن استيراد نماذج ومناهج من فنلندا مثلا أو غيرها من الدول التي لم يبلغ طلبتها بعد ما بلغه طلبتنا من نبوغ وعبقرية.
وعلى هذا الحال فلا معنى بعد اليوم للحديث عن إصلاح التعليم في الأردن ولاتطوير المناهج أو الارتقاء بقدرات المعلمين، وتحسين البيئة المدرسية، ولاحتى التفكير بالتوسع في مرحلة رياض الأطفال. لماذا نتعب أنفسنا ونهدر مواردنا وقد أثبت نظامنا التعليمي أنه الأفضل عالميا، بدليل مستوى خريجيه الذين تفوقوا على علماء الرياضيات والفيزياء وطاولوا قامات كبار المخترعين والمبتكرين في التاريخ.
بحق صرت أخشى على نظامنا التعليمي من حسد الحاسدين، إذا ما علم القوم في الغرب والشرق عن نتائج التوجيهي هذا الموسم.