الحلم: حق لا يعرف عن العمر شيئا

أحلام الأطفال- تعبيرية
أحلام الأطفال- تعبيرية

"واضحة، متماسكة، سهلة الفهم، ولا لُبس فيها"، هكذا أحب فرويد أن يصف أحلام الأطفال وتوقهم إلى أن يحققوها مهما كلف الأمر من كد وطاقة.

اضافة اعلان


فهذه الأحلام ما هي إلا توليفة بديعة يجدر الاحتفاء بها؛ لدورها بمساندة الطفل، بإزاحة توتراته النفسية، وخشيته الفطرية من مستقبل أجوف، بحياة فارغة، لا هدف منها أو فيها.


فالحلم لدى الطفل أشبه بمونولوج حديث الولادة، يبدأ حينها الطفل بالتدرب على استخدام عقلين في الآن ذاته، ليتسنى له فيما بعد، بأن يكبر مع أحلامه وتصوراته المستقبلية، وأن يحققها بكل ما أوتي من شغف ودأب.


الأطفال كافة لديهم الحق في الحلم، فاختصاصية علم النفس السريري والمعالجة النفسية الفرنسية المتخصصة بمرحلة الطفولة إيتي بوزين، تصف الحلم بأنه: "مساحة شاسعة من الحرية، يحتاجها الأطفال بشكل خاص ليتمكنوا من مواجهة الواقع الصعب، وهي حرية داخلية تجعل الطفل -وبشكل محمود- بالغًا قبل أوانه، غير مقيد بقاعدة واحدة ولا يميل إلى وضع نفسه على هامش المجتمع".

 

هذه الحرية تسمح بأن يبعث منها أطفال أبطال مجبولون بالشغف والإبداع، حينما يوجهون جل انتباههم إلى عوالم أخرى ذات أهمية كبرى في تحقيق الذات عند الكبر، فكلما برزت أحلام الأطفال وشيدت مسارًا واضحًا في عقولهم، ازداد ارتباطهم بالعالم، وازدادت قدرتهم على التعبير عن ذاتهم، وازدادوا وعيًا؛ فالأحلام ما هي إلا الوسيلة الأهم لنضج الجهاز العصبي المركزي، المساند الأول في تطور النمو المعرفي لدى الطفل.


ومع ذلك، فقد يتراءى لدى البعض بأن حقوق الطفل يمكن اختزالها بحقين أساسيين وحيدين، وهما حق اللعب وحق التعلم، وقد يغيب عن أذهاننا أن حق الحلم، الحلم فقط، هو أول خطوة يخطوها الطفل في طريق حصوله على حقوقه الكبرى الأخرى كافة، فمن خلال الحبو، يتعلم الطفل المشي، ومن خلال الحلم والفكر، يتعلم الطفل آلية إنتاج آماله المستقبلية كافة.

 

"اجعل الحلم يلتهم حياتك، حتى لا تلتهم الحياة أحلامك"، أنطوان دو سانت من رواية الأمير الصغير.


تقول يارا "بحب الرسم لأنه الرسم معناته ألوان حلوة، مش متل الرياضيات، يعني ما فيه أخطاء ولا أرقام. بحلم أكون رسامة للطبيعة ولوجوه الناس، وبحس حقي أحلم بهاد الإشي لأنه إيدي بتقدر ترسم، وإيدي شطورة، ما بتعرف تحل مسائل الرياضيات، بس بتعرف منيح ترسم. التحدي الوحيد يلي بخوفني هو ما أجيب مصاري كتار من الرسم".

 

لم تكن يارا قد تجاوزت بعد عامها الثالث عندما بدأت تمسك القلم، وتتحسس بأصابعها الأوراق وتنسجم مع ألوانها، الآن، تبلغ يارا سبعة أعوام، وما تزال تطمح لأن تصبح رسامة، لكن العائق الوحيد الذي يخيفها هو قلة المال الذي يجنيه الرسام، ومع ذلك، فقد أصرت على ألا تسمح أبدًا لحلمها بأن يتلاشى، فهي وبالرغم من صغر سنها، تؤمن أن الحلم وظيفته دائمًا إرسال إشاراته إلى المستقبل.


في الزيارات العائلية، وعندما تجتمع يارا مع أقرانها من أبناء العائلة، يبدأ كل طفل بتخيل مستقبله مهندسًا أو طبيبًا أو شرطيًا، إلا أن يارا التي تحاول بأناملها الصغيرة كسر "التابو" والخروج عن المألوف، تدافع عن الفن وعن الدوافع التي تجعلها تتخيل نفسها فنانة المستقبل.

 

يقول محمد "بلعب تايكواندو ومعي حزام أسود، وبحب أشوف البطولات العالمية، بس من فترة مش كتير بتحرك ولياقتي خفت وخايف وزني يزيد لأنه ما في نواد رياضية هلأ، مدربي بضل يوعدني إنه إذا بضل أتدرب منيح رح يخليني ألعب ببطولات مهمة.. حقي أحلم إنه أكون بطل تايكوندو، لأني ببساطة بحب اللعبة هاي، ومبدع فيها".


يحلم محمد ذو التاسعة من عمره بأن يشق طريقه نحو كوريا لكي يصبح بطلاً للتايكوندو فيها. تحدثني والدته لتخبرني عن إصابة محمد بمرض السكري من النوع الأول، ما يجعله مرهقًا معظم الوقت.

 

ويحكمها ذلك بمراقبته أثناء بذله مجهودا بدنيا؛ حرصًا على عدم تعرضه لنوبة هبوط بالسكر، إلا أنها عندما علمت بمرض ابنها أصرت، بعد الاتفاق مع والده، على أن يكمل نشاطه في لعبة التايكوندو مع مراعاة شروط سلامته، أما بعد قانون الدفاع الذي يلزم بإغلاق النوادي الرياضية والمدارس والحدائق، لم يعد لدى محمد مساحة ليمارس رياضته المفضلة أو مجالاً للحركة والحفاظ على لياقته البدنية،.

ولكنه يحاول أن يقوم ببعض التمارين المنزلية بين حصصه التعليمية عن بعد.

والجدير بالذكر أننا عندما سألنا محمد عن مخاوفه من المعوقات التي قد تجعله لا يحقق حلمه، تحدث عن مخاوف ثانوية ولم يذكر أمر إصابته بمرض السكري، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على وردية نظرة الأطفال وعدم تعاطيهم مع مصاعب الحياة وظروفها بشكل جدي، أو أن شغفه في تحقيق حلمه أكبر من أي مرض.ز
يارا ومحمد، وغيرهما من الأطفال، أدركوا فطريًا أحقيتهم بالحلم، أدركوا تمامًا ما عناه الروائي البرازيلي باولو كويلو حين قال "هناك شي واحد فقط يجعل الحلم عصيا على التحقيق، وهو الخوف من الفشل".


المرشدة النفسية والخبيرة التربوية نورة صلاح، ترى أن الأحلام هي جزء من التطور الطبيعي بحياة أي طفل، إذ يفترض أن تبدأ أحلامه مع بداية عمر الطفولة وبداية مراحل نموه، حيث يبدأ خياله بالعمل والرسم وتكوين سيناريوهات مختلفة، مشيرة إلى أن الأطفال الذين يعيشون في بيئة تربوية سليمة وفيها ما يكفي من المثيرات الحسية والحركية، يكونون أقدر على توسعة خيالهم، فبالتالي يصبح الطفل قادرًا على تكوين مفهوم الحلم بشكل مبسط.


صلاح أكدت كذلك دور الأهل في تعزيز خيال الطفل، حيث ينبع ذلك من مشاركته بالألعاب التخيلية التي يمارسها وتنمية خياله وقدراته، التي من شأنها أن تساعد الطفل على تكوين مفهوم الحلم بطريقة واسعة قد تصل لآفاق ليس بالضرورة أن نكون قد أدركناها من قبل.

 

وتؤكد أنه وفي كل مرحلة، تبدأ مهنة الطفل المستقبلية بالتغير حسب البيئة والمستقبلات والأشخاص المقربين منه، لذا من الطبيعي أن تتقلب إجابة الطفل عند سؤاله عما يطمح لأن يكون عليه عندما يكبر، لكن دائمًا هناك الملامح العامة التي تمكننا من الاستدلال على ميول الطفل، وباستطاعتنا اكتشافها بسهولة.


لذا، فكلما بدأنا مع الطفل ومن عمر مبكر بمعرفة ما يحب ويهوى، خففنا من حدة صدمة اختيار التخصص الجامعي الذي يطمح إليه، وعندها فقط، نكون قد غذينا جيدًا مهاراته وخياله وقدراته بما يلائم شخصيته.

 

المحامي عبد الرحمن الشرايري، يرى أن الطفل، الصغير، الصبي، يختلف مسماه باختلاف المراكز القانونية للأشخاص، المدنية منها والشرعية والسياسية، ولذلك، فإن التشريعات الوطنية وعلى رأسها تشريعنا المدني، أرست عديداً من القواعد القانونية التي تكفل الحماية والرعاية للصغير والصبي.


ويتابع: "وفي التشريعات الدولية، فإن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة وفق اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1990 التي صادقت عليها المملكة ودخلت حيز النفاذ بموجب قانون التصديق عليها رقم 50 لسنة 2006، وقبل ذلك فإن القانون المدني ومنذ العام 1976 وتأميناً لحاضر الطفل ومستقبله أفرد عديداً من القواعد القانونية التي تكفل للصغير بعد تجاوزه سن سبعة أعوام حرية التصرف.

 

واعتبر تصرفاته صحيحة متى كانت نافعة نفعاً محضاً، إيماناً من المشرع بضرورة أن يتمكن الصغير من ممارسة حقوقه المدنية، وفي الوقت ذاته، ولعلم المشرع المسبق بأن السابعة هو سن التمييز وليس سن الرشد، فقد اعتبر التصرفات ذاتها باطلة إن كانت ضارة ضرراً محضاً، وذلك حماية لحقوق الصغير المدنية، فأوجد المشرع حالة من التوازن تكفل للصغير حرية التصرف بهدف تمكينه من ممارسة حقوقه المدنية، وفي الوقت ذاته تحميه من تلك التصرفات إن كانت تلحق به الضرر".

 


الشرايري أشار إلى أن التصرفات تعني من بين ما تعنيه قيام الطفل بعد بلوغه سن التمييز بإبرام العقود، وممارسة الأعمال التجارية ضمن قيود قانونية ترمي إلى حماية حقوق الطفل في تجارته.

 

وبالعودة إلى اتفاقية حقوق الطفل التي تعد جزءا من تشريعاتنا الوطنية السارية، ورغم التحفظات الأردنية على المادة الرابعة عشرة منها، إلا أن تلك الاتفاقية أكدت، في غاياتها وأهدافها، حق الطفل في حمايته من أي اعتداء يمس حقوقه الأساسية منذ ولادته>

 

وقد أولت تلك الاتفاقية شديد الاهتمام بحقوق الطفل المتمثلة بحقه في حياة آمنة تحقق للطفل مصالحه الفضلى، وتكفل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكوين آرائه الخاصة وحقه في طلب أي معلومات وتلقيها وإذاعتها بوسائل التعبير كافة، بالقول والكتابة والطباعة والفن وبأي وسيلة يختارها الطفل.


واستتبع قائلاً: "كما وحرصت الاتفاقية على احترام حق الطفل في حرية الفكر والوجدان وتوجيهه لممارسة حقه بشكل ينسجم وقدراته المتطورة بطبيعتها، وحقه في تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي".

 

وأفردت الاتفاقية لحقوق الطفل الثقافية نصوصاً تكفل له حقه في الحصول على المعلومات التي تهدف إلى تعزيز رفاهيته الاجتماعية والمعنوية وقدراته العقلية واللغوية. ومن ثمة، فإن أحلام الطفولة تعد حقوقاً لصيقة بحق الطفل في الحياة والتعلم والعمل والقيام بالشعائر الدينية والتعبير عن الآراء.

 

بل إن أحلام الطفولة هي نواة الإبداع الأدبي والفني والرياضي وهي بوابة البحث العلمي، التي يقطف الطفل ثمرتها إذا ما توفرت له البيئة الملائمة التي تكفل له ممارسة تلك الحقوق. وبالتالي، فإن إجهاض تلك الأحلام بما يؤدي إلى وأدها قبل ولادتها يعد اعتداءً على حقوق الطفل المتصلة بها.


ومن نافلة القول إن كل اعتداء على تلك الحقوق يترتب عليه ضرر يلحق بالطفل، هو فعل مؤثم، قد يشكل جريمة مدنية يترتب عليها للطفل حق التعويض، وقد يشكل جريمة جزائية يستحق معها فاعلها العقاب.