تقدم في أداء إعلام الأزمات

سجل الأداء الإعلامي في تغطية العملية الإرهابية في الفحيص والعملية الأمنية في السلط تقدما واضحا بالمقارنة مع تغطية أزمات مشابهة في الأعوام السابقة؛ حيث كان واضحا في عملية السلط سرعة الاستجابة الحكومية في تقديم المعلومات وإحاطة جارية لوسائل الإعلام والمواطنين بكل ما يحدث، الى جانب أن تغطية وسائل الإعلام العامة والخاصة قد وفرت وجبات دسمة من المحتوى الإعلامي والبث المباشر من موقع الأحداث ما أشبع حاجة الجمهور الذي يلتمس المعلومات والأخبار بقوة في مثل هذه الظروف.اضافة اعلان
هذا النمط المتراكم من الأداء سوف يعمل على تقليل مساحة اعتماد الأردنيين على الإعلام البديل وسوف يعيدهم لوسائل الإعلام المهنية والمحترفة، وبالتالي سوف يقلل من الإشاعات والمحتوى الإعلامي الضار الذي ينتشر عادة أوقات الأزمات، لم نعدم الإشاعات والأخبار الملفقة خلال هذه الفترة، لكنها كانت أقل وحدة انتشارها محدودة. وهو ما أشار إليه تقرير تفصيلي لمرصد "أكيد"؛ حيث أشار الزملاء الى أن الإحاطة الجارية وسرعة الاستجابة وصلت الى معدل تصريح كل ساعة ونصف خلال ساعات المداهمات الأمنية، ما عمل على ملء فراغ المعلومات الذي طالما كنا نعاني منه في أحداث وأزمات سابقة.
الأحداث والتحولات تثبت كل يوم أن حرية الإعلام ومهنيته مصلحة وطنية، وكل يوم تزداد الأدلة التي تثبت هذه الحقيقة، سواء في معالجة الأزمات أو في الحرب على الإرهاب والتطرف أو في مكافحة وكشف الفساد، وقس على ذلك في الاقتصاد والاستثمار ومحاكمة السياسات العامة وفي ترشيد المساءلة الشعبية وتطوير أدواتها، وكل يوم تثبت الأحداث والتحولات أن المهنية والاحتراف في ممارسة هذه المهمة يجيبان عن الكثير من الأسئلة، ولطالما أسهم عدم الإجابة عن أسئلة الناس في خلق أزمات لا تنتهي.
وهنا علينا الإدراك أن مسار تنمية حرية الإعلام لا يتحقق بدون مسارات أخرى هي تنمية المهنية وتطوير قدرات المجتمع الإعلامي على التنظيم الذاتي، وهذه مسارات يمكن أن تسهم الدولة بالدفع بها الى الأمام من خلال الدور التنظيمي حينما تكون الأنظمة والتعليمات وشروط الترخيص والاعتماد إصلاحية، فإنها تخدم هذه المسارات مجتمعة بما فيها الحريات.
علينا أن نراجع الأثمان التي تدفعها الدولة والمجتمع جراء تراجع حرية الإعلام ومهنتيه وأن نتأكد أن الدعوة للحرية بدون مهنية هي دعوة للفوضى لا أكثر. وعلينا أن نعي تماما أن الحرية الإعلامية في بيئة معافاة، تُعلّم المسؤولية والالتزام، وليس الابتزاز، وتعمق الأمن والسلم الاجتماعي ويجب أن تكون الحصاد الحقيقي للاستقرار.
يحدث هذا في مرحلة تشهد تحولات كبيرة في الاتصال والإعلام الجماهيري التقليدي الذي يكاد يغادر مشهد الحياة العامة، بينما تتنامى أدوات التعبير التي يملكها الأفراد ويتحكمون بها، لا يمكن وقف أو تنظيم هذا التحول الاتصالي الكبير وما يرافقه من تحولات اجتماعية وسياسية؛ كل ما يمكننا عمله أن نرشد استجابة الناس لهذا الزخم كي تكون ردود أفعالهم أكثر رشدا وقابليتهم للانقياد أقل، وذلك لا يتم إلا بالمزيد من الشفافية والحكومة المفتوحة ومسار تربوي طويل.
لا توجد مرحلة في تاريخ الأردن المعاصر تبرز فيها الحاجة لإصلاح الإعلام وصيانة حرياته، مثل هذه المرحلة. صحيح أن إصلاح الحريات مطلب في كل وقت، لكن من منظور المصلحة الوطنية، وفي ضوء حساسيات الإصلاح السياسي في الأردن، تبدو هذه اللحظة ملائمة لاتخاذ خطوات جادة في ملف الإعلام قبل غيره.